الباحثة التربوية لقموش لـ”الثورة”: الوعي بأهمية الحديث عن النمو الجنسي عند الأطفال لا توبيخهم ومعاقبتهم
الثورة – غصون سليمان:
ثمة خيط رفيع بين الخجل والحياء، وثمة شعرة رفيعة بين لحظة الوعي وضبط النفس عن ملذاتها، وما بين هذه الشعرة وذلك الخيط يكمن المفهوم السريري, والسر القابع في مجهول النفس، بين رغبة، أو نية، أو تمنٍّ، وبالتالي فمن يظهر هذا المجهول إلى العلن.. لعله بوضوح هو السلوك والفعل الصادر عن تصرف الشخص أياً كان بمراحله العمرية المختلفة.
في هذه السطور نحاول تسليط الضوء على موضوع مجتمعي حساس ربما كنا نخجل من طرحه في وسائل الإعلام، وهو النمو الجنسي خشية الإثارة والعتب من قبل المتلقي، إلا أن الضرورة والحاجة يقتضيان البحث في الدوافع والنوازع النفسية والفيزيولوجية حين تظهر حالات غير محببة كالتحرش والشذوذ الجنسي، وإن كان لا يخلو أي مجتمع أو بيئة من وجود هذه السلوكيات مهما كان المجتمع متمدناً.
وللخوض في تفاصيل هذا النوع من السلوك الاجتماعي نسلط الضوء من خلال البحث في النشأة والتكوين لناحية النمو الجنسي عند الأطفال مع الباحثة التربوية كندة لقموش- ماجستير في المناهج وطرائق تدريس مرحلة طفولة مبكرة، والتي أغنت فضولنا في كثير من التفاصيل، خاصة في هذا العالم المتسارع، الذي يواجه فيه الأطفال تحديات متنوعة بمراحل نموهم المختلفة، ومن بين هذه المراحل الهامة، مرحلة الطفولة المبكرة، التي تشهد تطورات كبيرة في جميع جوانب حياة الطفل، بما في ذلك النمو الجنسي، حيث يعتبر النمو الجنسي جزءاً طبيعياً وصحياً من نمو الطفل، ولكن للأسف، غالباً ما يتم تجاهله أو التعامل معه بطريقة خاطئة من قبل الأهل والمربين، مما قد يؤثر سلباً على الطفل في المستقبل.
حسب رأي الباحثة لقموش، التي بينت في حديثها لـ”الثورة” أن المقصود بالنمو الجنسي في مرحلة الطفولة المبكرة، هو النمو الجنسي الذي يشير في هذه المرحلة إلى التطورات الجسدية والنفسية التي يمر بها الطفل فيما يتعلق باستكشاف الذات وتكوين الهوية الجنسية، أي الوعي بالجسم والتمييز بين الجنسين.
وتتابع: بالتالي من الطبيعي أن يظهر الأطفال في هذه المرحلة بعض السلوكيات وطرح أسئلة حول الجنس، وتعتبر هذه السلوكيات سلوكيات طبيعية لا تستدعي الخوف أو القلق، ولكن في أغلب الأحيان تثير هذه السلوكيات القلق لدى مقدمي الرعاية للطفل سواء الأبويين أو المربين في الروضة.
أكثر الأخطاء..
وعن أكثر الأخطاء التي يرتكبها الوالدان، أو مقدمو الرعاية في التعامل مع النمو الجنسي للأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة، وكيف تؤثر على نموهم النفسي والجنسي توضح الباحثة التربوية أن الأخطاء الشائعة تشمل تجاهل أسئلة الأطفال أو إعطاء إجابات غير صحيحة أو خيالية حول كيفية تكون الأطفال أو أعضائهم وأحياناً قد تصل إلى توبيخ الأطفال ومعاقبتهم واستخدام مصطلحات مهينة عند الحديث عن ذلك، أو يلجأ الوالدان إلى تجنب الحديث عن الجنس بشكل كامل، مما يترك الأطفال في حيرة وجهل.
وإن كان يؤثر تجاهل أسئلة الأطفال عن الجنس أو توبيخهم على نموهم النفسي والجنسي تؤكد الباحثة أنه يمكن أن يؤدي تجاهل أسئلة الأطفال أو توبيخهم إلى شعور الطفل بالخجل والخوف والقلق من جسمه أو أفكاره الجنسية، وقد يؤدي نقص المعلومات لدى الطفل إلى تشويه صورة الجسم أو صعوبة بالتحدث عن مشاعره ومخاوفه والقيام بسلوكيات غير صحية أو خطرة في المستقبل.
الطرق التربوية المثلى..
وعن ماهية الطرق التربوية المثلى للتعامل مع فضول الأطفال حول نموهم توضح الدكتورة لقموش أهمية الإجابة بصدق واستخدام لغة مناسبة مبسطة، إذ يمكن استخدام الصور أو الرسوم التوضيحية لشرح أجزاء الجسم ووظائفها بطريقة سهلة الفهم.
وإذا ما سألنا حول كيف يمكن للوالدين تعليم الأطفال عن خصوصية أجسادهم واحترام خصوصية الآخرين بطريقة مناسبة لعمرهم فذلك يتم وفق ما ذكرته الباحثة التربوية بتحديد مناطق الجسم الخاصة مثل: تعليم الطفل أن هناك أجزاءً من جسمه خاصة به، ولا يجوز لأحد أن يلمسها وتعليم الطفل أن يحترم حدود الآخرين، وألا يلمس أجسامهم دون إذن.
ويجب أن يكون الوالدان قدوة حسنة في احترام خصوصية الآخرين، وعدم التدخل في شؤونهم الخاصة.
نصائح..وفيما يتعلق بالنصائح التي تقدمها للوالدين تنوه الباحثة لقموش بمسألة هامة في هذا السياق وهي الهدوء وتجنب الغضب أو الانفعال، مع وجوب التوضيح والشرح أن هذه السلوكيات غير مناسبة، إلى جانب البحث عن السبب، بمعنى يجب محاولة فهم سبب هذه السلوكيات، فقد يكون الطفل يشعر بالفضول، أو هناك مرض جسدي يؤدي إلى الحكة في هذه المناطق، كذلك توجيه الطفل إلى أنشطة أخرى.
والأمر الآخر هو استشارة متخصص، إذا كانت هذه السلوكيات متكررة وتثير قلقاً كبيراً للحصول على المشورة والدعم.
تعزيز الفهم الصحي
وعن دور الأبوين في تعزيز الفهم الصحي للنمو الجنسي لدى الأطفال، تؤكد الباحثة التربوية أهمية توفير بيئة آمنة وداعمة للأطفال للتعبير عن فضولهم واستكشاف أجسادهم بطريقة صحية، وتثقيف الأطفال حول أجسادهم ووظائفها بطريقة مناسبة لأعمارهم، وتعزيز الوعي بأهمية احترام الذات والآخرين، وخصوصية الأجساد.
أما جملة التحديات التي تواجه المربين في التعامل مع موضوع النمو الجنسي في رياض الأطفال، فتكمن- حسب رأي الباحثة- في نقص الوعي، فقد يعاني بعض المربين من نقص في التوعية حول كيفية التعامل مع موضوع النمو الجنسي بطريقة مناسبة.
مؤشرات سلوكية
ما هي العلامات التي تشير إلى أن سلوكيات الطفل الجنسية قد تكون غير طبيعية أو نتيجة لتعرضه لموقف غير مناسب؟ تقول الباحثة لقموش: يصبح الطفل فجأة أكثر انطوائية أو عدوانية أو قلقاً، حيث يعاني الطفل من صعوبة في النوم أو كوابيس متكررة، يعود الطفل إلى التبول اللاإرادي بعد أن كان قد توقف عنه، يبدي الطفل خوفاً مفرطاً من أشخاص معينين أو أماكن معينة، يظهر الطفل معرفة جنسية غير مناسبة لعمره، أو يستخدم مصطلحات جنسية غير لائقة، يظهر الطفل سلوكيات جنسية مفرطة أو غير مناسبة، يعاني الطفل من تراجع في الأداء المدرسي أو صعوبة في التركيز، قد يجد الطفل صعوبة في التعبير عن مشاعره أو التحدث عما يزعجه.
وعن الخطوات التي يجب اتباعها إذا كان هناك شك في تعرض الطفل لاعتداء جنسي تقول الباحثة: يجب الاستماع للطفل بهدوء وصبر، وتجنب إظهار الغضب أو الانفعال وطمأنة الطفل بأنه ليس مسؤولاً عما حدث، وأنه سيتم مساعدته، وعدم الضغط على الطفل للتحدث عما حدث، وتركه يتحدث بالوقت الذي يشعر فيه بالراحة، لابد من الحصول على الدعم النفسي للطفل وللأهل، لمساعدتهم على التعامل مع الصدمة والتغلب عليها.
تأثير الثقافة
وعن تأثير الثقافة المجتمعية على طريقة تعامل الوالدين مع موضوع النمو الجنسي للأطفال، بينت الباحثة لقموش أنها قد تساهم بعض الثقافات المجتمعية في انتشار المفاهيم الخاطئة حول النمو الجنسي، كاعتباره موضوعاً محرجاً أو غير لائق للأطفال، يجب علينا زيادة الوعي بأهمية الحديث عن النمو الجنسي مع الأطفال بطريقة صحيحة ومناسبة لأعمارهم، ويجب تصحيح المفاهيم الخاطئة حوله، وتوضيح أنه جزء طبيعي من النمو والتطور.
كما يجب الاستعانة بالخبراء في مجال التربية الجنسية لتقديم المعلومات الصحيحة والمشورة للآباء والمربين ويمكن استخدام وسائل الإعلام لنشر الوعي حول أهمية التربية السليمة للأطفال، ويجب أن يكون الآباء والمربون قدوة حسنة للأطفال في الحديث عن الجنس بطريقة صحية ومناسبة.
وعن الرسالة التي تود الباحثة توجيهها للوالدين والمربين حول النمو الجنسي في مرحلة الطفولة المبكرة تقول: رسالتي للوالدين والمربين هي أن النمو الجنسي جزء طبيعي وصحي من نمو الطفل، لا يجب أن نخجل أو نخاف من الحديث عن هذا الموضوع مع أطفالنا، بل يجب أن نكون مصدراً موثوقاً للمعلومات الصحيحة والمناسبة لأعمارهم. من خلال التربية السليمة، يمكننا أن نساعد أطفالنا على فهم أجسادهم، واحترام أنفسهم والآخرين، وبناء علاقات صحية وإيجابية في المستقبل.