الثورة – سعاد زاهر:
الاثنين الماضي، على عجل دخلت مكتب دائرة الثقافة في الطابق السادس، كعادتها الغالية هفاف ميهوب، تجلس في ركنها الاعتيادي خلف الكمبيوتر الأسود الجاثم في غرفتنا بلا طائل، تمسك بكتاب تقرؤه، ربما أوجزته في مقالها الأخير يوم رحيلها والذي نشر على صفحات صحيفة الثورة بعنوان (متى تتوقف الحروب، فلا نقتل بل نتنفس) هل ضاق نفسها…؟هل ضاقت بها كل هذه الحالة العبثية من الموت، التي ترافقنا ليل نهار، لنصبح غير آبهين سوى بإيقافها..ياالله كيف تبدو الحياة في لحظة أضيق من خرم إبرة، كيف يبدو كل شيء قاسياً، بارداً، كيف يصفعنا الموت، يلسعنا وتحرقنا ناره إلى أن نلحق بهم.غادرتنا الإعلامية والكاتبة المرهفة هفاف ميهوب، تاركة خلفها مئات المقالات الثقافية، وعدة روايات لم تأخذ حظها في التداول، ولا التغطية، ولم تسع يوماً لتكون في الواجهة، لطالما جلست مقتنعة بما تفعل، سعيدة بما تنجز، حوالى العقدين من الزمن عمر صداقتي مع هفاف، عملنا معاً في صفحة فضائيات، وفي القسم الثقافي، وفي فريق الاستبيان لطالما جبنا طرقات دمشق معاً، نوزع الأوراق نستمتع ونعمل معاً.. كل طرقات دمشق تذكرنا.. سوق الحميدية وزواريبه العتيقة، الصالحية، الحمراء، شارع مدحت باشا..جميع تلك الدروب ستشتاق إليك، لن أجوبها وحدي، ولن أوزاع الأوراق يوماً، فحين يرحل الأصدقاء، نتلاشى على عتبات الأيام، ترحل أرواحنا مع رحيلهم، وتغيم أفكارنا، ونتجمد إلى أوان لا نعرف له مدى..لا أدري، كيف سأعبر غرفتنا في دائرة الثقافة، القابعة حزينة أبداً، حائرة أي المكاتب أواسي، فقبل التحاقي بالعمل كنت تجلسين على الركن اليساري، وحين رأيتني أجلس عليه، قلت لي بمحبة أعتاد على أي الأماكن، لا تهتمي…!!كل الأمكنة في صحيفة الثورة غارقة في الحزن، قلوبنا تنزف، كلما أتيت باكراً إلى مكتبنا سأنتظرك متوقعة أن تعودي…عاجزة التصديق.. لو أنني عرفت أن الاثنين الماضي سيكون اللقاء الأخير لما تعجلت الذهاب، لاسترقت وداعاً يرسخ في ذاكرتي إلى أن ألحق بك، لاسترقت قربك زمناً أطول، ليتني لم أبارح الصحيفة باكراً، ليتني أطلت الوداع، الله معك يا رفيقتي، لقد غادرت على عجل ومن دون استئذان، أنت التي كنت ترقصين على إيقاع الفرح، وتزفينه للأطفال، علنا نتقن يوماً، فرح غادر من دون روحك المرحة، وحضورك النقي، إلى جنان الخلد أيتها الغالية.
#صحيفة_الثورة