الثورة- ترجمة هبه علي:
تمثل الإطاحة بالرئيس بشار الأسد في 8 كانون الأول 2024 لحظة فارقة في تاريخ سوريا، إذ تفتح الباب أمام فصل جديد تشكله الديناميكيات الإقليمية المتغيرة، وبينما تسعى تركيا وإسرائيل إلى ترسيخ نفوذهما، تعيد أجنداتهما المتضاربة رسم مستقبل سوريا، وتؤثّر على الاستقرار الأوسع في الشرق الأوسط. ومن المرجح أن يؤدي هذا التغيير في موازين القوى إلى إعادة تشكيل المنطقة، مع تداعيات سوف تستمر لسنوات قادمة.
صراع الطموحات
منذ اندلاع الحرب السورية عام ٢٠١١، لعبت تركيا دوراً محوريا في رسم مسار الصراع، ففي وقت مبكر، تحالفت أنقرة مع جماعات مسلحة معارضة للرئيس السوري بشار الأسد، بما في ذلك هيئة تحرير الشام (HTS)، التي برزت كقوة مؤثرة في تحدي نظام الأسد، ومع ذلك، ومع تقدم الحرب، تطورت أهداف تركيا، مع التركيز الأساسي الآن على منع صعود كيان كردي على طول حدودها الجنوبية، وهي الخطوة التي تنظر إليها باعتبارها تهديداً أمنياً مباشراً، لتحقيق ذلك صعّدت تركيا عملياتها العسكرية في شمال سوريا، مستهدفةً القوات الكردية، ومنشئةً مناطق عازلة لحماية وحدة أراضيها، في كانون الأول 2024، شنّ الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا هجوم منبج، مُسيطراً على أكثر من 200 كيلومتر مربع من الأراضي من قوات سوريا الديمقراطية.
صعّدت أنقرة حملتها ضدّ قوات سوريا الديمقراطية، التي تعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني، وخلال هذه العمليات، استهدفت الغارات الجوية التركية مراراً المناطق الخاضعة لسيطرة “قسد”، مركزة على طرق الإمداد الحيوية ومراكز القيادة.
بين كانون الأول 2024 وآذار 2025، استهدفت طائرات تركية مسيرة مواقع لقوات “قسد” في شمال شرق سوريا أكثر من 150 مرة، ما أسفر عن سقوط ضحايا بين المقاتلين الأكراد والمدنيين، الهدف الشامل واضح: تفكيك الحكم الذاتي الكردي في شمال سوريا، ومنع أي دولة سورية مستقبلية من استيعاب الحكم الذاتي الكردي.
استمر حجم الجهود العسكرية التركية في التزايد، مع انتشار أكثر من 10,000 جندي تركي على طول الحدود الشمالية لسوريا، وتعزيزات متمركزة في عفرين وجرابلس، تُرسي تركيا وجوداً دائماً، إضافةً إلى ذلك، تشير التقارير إلى بناء ما لا يقل عن خمسة مواقع عسكرية جديدة في شمال سوريا، وفي مناطق استراتيجية مثل عفرين وتل أبيض.
سهّلت تركيا إعادة توطين أكثر من 30 ألف عائلة سورية عربية، ما غيّر التوازن الديموغرافي في المنطقة لصالح الجماعات الموالية لها، كما خصصت الحكومة التركية ما يقارب ملياري دولار لمشاريع البنية التحتية، ما عزز سيطرتها على المناطق الخاضعة لسيطرتها.
إلى جانب هذه المكاسب الميدانية، يقول مراقبون إن تركيا تُعيد هيكلة الجيش السوري، وتُوحّد الفصائل بما يخدم مصالحها، وتُفكّر في إنشاء قواعد عسكرية دائمة داخل سوريا، تُشير هذه الخطوات إلى نية تركيا بعيدة المدى لتعزيز نفوذها في المنطقة. بينما يستمر نفوذ تركيا في التنامي شمال سوريا، ينصبّ تركيز إسرائيل المُعلن على منع إيران وحليفها حزب الله من استعادة موطئ قدم في البلاد، ومع الفراغ الذي خلّفه رحيل الأسد، صعّدت إسرائيل عملياتها العسكرية في سوريا، وشنّت غارات جوية استهدفت مواقع إيرانية وأخرى تابعة لحزب الله، ويبقى الشاغل الرئيسي لإسرائيل هو إمكانية ترسيخ إيران لوجود دائم، لا سيما في المناطق القريبة من مرتفعات الجولان.ولمواجهة هذا التهديد، شنت القوات الجوية الإسرائيلية أكثر من 80 غارة جوية بين كانون الأول 2024 آذار 2025، مستهدفة مستودعات أسلحة إيرانية مشتبه بها ومراكز قيادة لحزب الله في جميع أنحاء سوريا.
لم تقتصر أفعال إسرائيل على ضرب أهداف عسكرية فحسب، فمنذ الإطاحة بالأسد، شنّت عدة هجمات بارزة على مواقع استراتيجية رئيسية، ووفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، نفّذت إسرائيل ما لا يقل عن 20 غارة جوية بين كانون الثاني وآذار 2025، ما أدى إلى تعطيل طرق إمداد حيوية تستخدمها القوات المدعومة من إيران، وتهدف هذه العمليات إلى إضعاف شبكة نفوذ إيران وتعطيل العمليات اللوجستية لحزب الله في جميع أنحاء سوريا.
وأصدر مسؤولون دفاعيون إسرائيليون تحذيرات متكررة، تشير إلى استعدادهم لتصعيد العمليات في سوريا إذا شعروا بأي تهديد.تُعدّ فعالية هذه الضربات محوريةً في الإستراتيجية الإسرائيلية ويزعم المسؤولون الإسرائيليون أن غاراتهم الجوية قد عرقلت ما لا يقل عن 70% من الشبكة اللوجستية لحزب الله في سوريا، وتُفيد وزارة “الدفاع الإسرائيلية” بمقتل أكثر من 40 مسلحاً مرتبطاً بحزب الله منذ كانون الأول 2024، ما يُبرز شدة حملتهم.
كذلك فإن دعم دول الخليج للإدارة السورية الجديدة مدفوعٌ في المقام الأول بمصالح استراتيجية، لا بتوافق أيديولوجي، وكما أشار “موقع المونيتور” فإن التزام دول الخليج طويل الأمد تجاه سوريا سيعتمد على كيفية تعامل البلاد مع مستقبلها السياسي وديناميكيات القوة الإقليمية المتغيرة، وتدرك دول الخليج تماماً أن استثماراتها في سوريا يجب أن تتوافق مع أهدافها الإقليمية الأوسع ومخاوفها الأمنية. إن مستقبل سوريا يعتمد الآن على قدرة إدارتها الجديدة على إدارة شبكة معقدة من الضغوط الداخلية والخارجية، ويجب على القيادة الجديدة أن تجد توازناً دقيقاً لتوجيه سوريا نحو مستقبل أكثر سلاماً وازدهاراً.
المصدر- Shafaq News