الثورة – رفاه الدروبي:
قدَّمت الدكتورة هلا قصقص محاضرة حول “خيال الظل السوري.. نحو مقاربة بحثية لحفظ التراث الشفهي البصري” في ندوة عنوانها: “حول تعزيز التشاركية لإدارة مخاطر التراث وحمايته” دعت لها جمعية الإيكوموس العاملة على حفظ وحماية واستدامة أماكن التراث الثقافي في جميع أنحاء العالم، برعاية وزارة الثقافة، مديرية الآثار والمتاحف بسوريا في القاعة الشامية بالمتحف الوطني.
الدكتورة هلا بدأت حديثها أنَّ خيال الظل كتراث جامع بين النص والصورة أحد أبرزأشكال التعبيرالثقافي الشعبي، إذ ازدهرت في دمشق خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ويُمثِّل أكثر من مجرد عرض بصري باستخدام دمى مُسطحة تُحرَّك خلف ستار لكنَّه فن أدائي مركب يجمع بين الصورة والصوت والنص الشفهي المروي والتجسيد البصري الرمزي والترفيه والتعليق الاجتماعي والسياسي، إذ تتجلى خصوصيته في دمشق بوصفه شكلاً من أشكال الترفيه النقدي كونه يمارس سابقاً داخل فضاءات المقاهي الدمشقية، وأصبحت مراكز حيوية للنقاشات العامة وتداول الأخبار لاحقاً.
كما لفتت إلى تجاوز خيال الظل حدود السير الشعبية ليتحول إلى وسيلة جماعية لتداول الأفكار والهموم السياسية من خلال استخدام الرمز، والتلميح والسخرية كشخصيات مثل “كراكوز وعيواظ” لأنهما يظهران في العرض؛ ولم يكونا مجرد شخصيات هزلية بل أداة نقد جاد تستبطن مواقف الناس حيال السلطة والظلم الاجتماعي من خلال حوارات ذكية وقصص مبنية على الخداع والمفارقة، فكان خيال الظل يوصِّل رسائل مبطنة يصعب التعبيرعنها علناً.
كذلك أشارت إلى ميزات خيال الظل الدمشقي عن نظائره في اسطنبول أو القاهرة، ويكون بانغراسه العميق في الحياة اليومية المحلية، وانعكاسه للتعدد الثقافي والاجتماعي في سوريا، فدمشق لم تكن مجرد ناقل للفن العثماني ذاته، بل كانت مبدعة في تشكيل نسخ محلية تعبِّر في خصوصياتها، مؤكدةً أهمية التراث النصي في خيال الظل والحفظ والتوثيق رغم أنَّه يركِّز على الدمى المعلقة بقضبان خلف الستار، لكنَّه يهتم بالنصوص الشفهية المرتجلة أو تتلى أثناء العروض، وتعتبر الجزء الأكثر هشاشة وعرضة للضياع من التراث ذاته، لذلك سعى عدد من الباحثين إلى توثيق نصوصه..من أبرزهم: “المستشرق الألماني إنو ليتمان” باعتباره جمع نصوصاً من خيال الظل في دمشق والقدس وبيروت وحلب أواخر القرن التاسع عشر ونشرها بالألمانية عام ١٩١١، كذلك قدِّم منيركيال نصوصاً من الذاكرة الشعبية الدمشقية، أما سليمان قطايا فنشر نصوصاً من حلب، بينما حسين حجازي من الساحل السوري.ونوَّهت الدكتورة قصقص بتنوُّع خيال الظل السوري حيث يعكس ارتباطه العميق بالبنى الاجتماعية المتنوعة وينغرس في حياة المدن والمناطق المختلفة، كما يعكس مضمونه وشخصياته وبنيته النسيج السكاني المتعدد والهوية السورية، فكانت نصوصه نقداً مباشراً وغير مباشر، لافتةً إلى العلاقة بين النصوص والدمى حول فصل الخشبيات نموذجاً لتوثيق متكامل بأنها ليست مجرد نص ظريف تُروى فيه مغامرات “كراكوز وعيواظ”؛ بل تمثِّل حالة فنية متكاملة لا تكتمل قراءتها إلا من خلال التقاطع بين الكلمة والصورة، وتجعل التكامل منها نموذجاً مثالياً لفهم الضرورة الملحِّة للتوثيق المتكامل كونه يربط بين النصوص المسرحية ودمى الظل بوصفها وحدة سردية بصرية لا تنفصل. أمَّا تناولها في البحث العلمي كأداة لحفظ التراث في مواجهة المخاطر فإنها تتمثَّل في فقدان النصوص الشفهية من جهة، وتأكل السياقات الاجتماعية المبطنة في أخرى، فالعروض الحيَّة اختفت تقريباً في الفضاءات العامة والذاكرة الشعبية.