مهدي عقبائي- کاتب إيراني وعضو في‌ المجلس الوطني‌ للمقاومة الإيرانیة
تشهد الساحة الإيرانية حالياً تساؤلات متزايدة عن طبيعة المفاوضات الجارية بين النظام الإيراني والإدارة الأمريكية.
هل هي مفاوضات مباشرة، كما زعمت بعض الأطراف الأمريكية؟ أم إنها غير مباشرة، كما يدعي النظام الإيراني؟.
هذه التساؤلات تصاحبها تحليلات متعددة عمّا يمكن أن تفضي إليه هذه المفاوضات، في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها الطرفان، داخلياً وخارجياً.
جدل حول طبيعة المفاوضات نقلت وكالة “رويترز” عن البيت الأبيض تأكيده بأن المفاوضات يوم السبت ستكون مباشرة، بينما صرّح عباس عراقجي، ممثل النظام الإيراني، بأنها “غير مباشرة”.
والمثير للسخرية هو محاولة النظام تبرير هذه الازدواجية بالقول: إن “المكان واسع، والفصل بين الجانبين كبير، ما يجعلها غير مباشرة”.
ولكن الحقيقة الجلية هي أن هذه المفاوضات، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، تجري بموافقة المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي كان قد صرح بتاريخ 7 فبراير/شباط 2025، قائلاً: إن “التفاوض ليس عقلانياً، ولا حكيماً، ولا شريفاً”.
ومع ذلك، ها هو النظام ينخرط في عملية تفاوضية تعكس حجم الضغوط التي يواجهها.
المشهد الإقليمي والدولي: سوريا في قلب الأزمة
تأتي هذه المفاوضات في وقت تتساقط فيه أوراق النفوذ الإيراني في المنطقة واحدة تلو الأخرى، فقد تعرض النظام الإيراني لضربات متتالية أفقدته العديد من أذرعه، وعلى رأسها سوريا، التي كانت تمثل مركز ثقله الاستراتيجي في الشرق الأوسط.
منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، بذل خامنئي كل ما بوسعه للحفاظ على نظام بشار الأسد، ليس فقط لدوافع أيديولوجية أو سياسية، بل لأن سوريا كانت الممر الحيوي لنقل السلاح والتمويل إلى حزب الله اللبناني، وهي القاعدة الأمامية لمشروع الهيمنة الإقليمية الإيراني.
ومع التغيرات الدولية والإقليمية المتسارعة، وتحت ضربات الثوار السوريين، تقلص نفوذ إيران في سوريا بشكل ملحوظ. وهو ما أضعف موقف طهران في المعادلة الإقليمية، وجعلها تظهر بموقع الطرف المنهك.
اليوم، يبدو أن النظام الإيراني يقف أمام المجتمع الدولي مكشوفاً، بعد أن خسر قاعدته الاستراتيجية في دمشق، ما دفعه إلى القبول بمفاوضات لم يكن يرغب بها.
ضغوط متعددة الجبهات
تتزامن المفاوضات أيضاً مع مساعٍٍ دولية لتفكيك الأذرع العسكرية الموالية لطهران في كل من لبنان والعراق، واستمرار الحملات العسكرية ضد الحوثيين في اليمن.
في هذا السياق، صرّح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يوم الاثنين 7 أبريل/نيسان قائلاً: “إيران لن تمتلك السلاح النووي أبدًا، وإذا فشلت المفاوضات، فسيكون يوماً سيئاً جداً لها”.
مرتكزات النظام الإيراني في أي مفاوضات
1. التمسك بالبرنامج النووي والإقليمي: النظام الإيراني، كما أثبتت التجربة، لا ينوي التخلي عن مشروعه النووي أو سياسته التوسعية.. خامنئي تعلم من مصير القذافي وشاه إيران أن التخلي عن أدوات القوة يعني نهاية النظام.
2. سياسة تصدير الإرهاب والتطرف منصوص عليها بوضوح في دستور النظام تظهر تجربة 46 عاماً أن هذا النظام لا يلتزم بأي وعد أو تعهد.، وقد أعلن الخميني في عام 1987 أن “من أجل الحفاظ على الحكم، يجوز انتهاك الاتفاقات وحتى التعهدات الدينية”، لأن الحكم وحفظ النظام عنده يعتبر أوْجب الواجبات.
3. الاستفادة من الوقت: لطالما استخدم النظام الإيراني المفاوضات وسيلة لشراء الوقت، كما حدث في بدايات هذا القرن حين قبل بتجميد منشآته النووية ثم أعاد تشغيلها لاحقاً. وقد تكررت هذه الاستراتيجية مع الاتفاق النووي، حيث استأنف التخصيب ووصل به إلى 60٪.
4. الأولوية القصوى لبقاء النظام: خامنئي يرى في بقاء نظام ولاية الفقيه مسألة وجود، وكل شيء يُقاس بقدرته على إطالة عمر النظام.
5. غياب أي تصور لمفاوضات “رابح-رابح”: النظام الإيراني لا يرى في الولايات المتحدة شريكاً لتسوية بل خصماً وجودياً، وبالتالي لن يقبل بأي اتفاق لا يضمن له التفوق والهيمنة.
6. الخطر الحقيقي داخلي: خامنئي يعلم أن التهديد الأكبر يأتي من الداخل، لا من الخارج، ولذلك يُمعن في القمع والنهب، لكنه بذلك يزيد من احتمالات الانفجار الشعبي.
النتائج المحتملة: بين المأزق والمواجهة
1. من المرجح أن الهدف الأساسي للنظام من هذه المفاوضات ليس الوصول إلى اتفاق بل كسب الوقت، وإن كانت قدرته على المناورة محدودة اليوم أكثر من أي وقت مضى.
2. خامنئي لا يستطيع الدخول في مفاوضات جدية بالشكل الذي تطالب به واشنطن، لأن ذلك يسرّع من وتيرة الاحتجاجات الشعبية ويهزّ أركان سلطته.
3. إذا اضطر النظام لتوقيع اتفاق بشروط مذلة، فذلك سيكون دليلاً على أنه في أضعف حالاته، وأنه يسمع بوضوح صدى الخطى المتقدمة نحو انتفاضة شعبية شاملة.
4. حتى في هذه الحالة، سيكون خامنئي الخاسر الأكبر، لأن التفاوض الذي خاضه لم يكن حكيماً أو ذكياً أو شريفاً كما أكده بنفسه، وبالتالي فإن رسالة ضعف خامنئي سُمِعَت داخلياً وفي المجتمع وكذلك في الساحة الدولية والإقليمية، ما سيزيد من التصدعات داخل النظام ويقرّب بركان الشعب من لحظة الانفجار.
خاتمة النظام الإيراني اليوم في مأزق حقيقي، تتكالب عليه الضغوط من كلّ الجهات، وقد خسر الكثير من أوراقه في المنطقة، خصوصاً بعد أن تراجعت هيمنته في سوريا، التي كانت تشكّل محور نفوذه، وتراجع قدرته على دعم أذرعه كحزب الله والحوثيين.
ومع استمرار الاحتقان الداخلي، فإن كلّ يوم يمرّ من دون انفراجة حقيقية، هو خطوة أخرى نحو انهيار حتمي بات يلوح في الأفق.