خبير اقتصادي: التمويل بالعجز ليس عيباً والعقوبات ليست عقبة.. الاقتصاد السوري أولويات وتحديات

الثورة – ميساء العلي وعبد الحميد غانم ورسام محمد و بتول عبدو:

نحن أمام فرص عديدة للعبور إلى مرحلة الاستقرار الاقتصادي، إلا أن ذلك بحاجة إلى رؤية واضحة وخطط تنفذ وفق مدد زمنية.

أولويات المرحلة الانتقالية للاقتصاد السوري مع الحكومة الجديدة كثيرة، قد يرى البعض أنها لا بدّ أن تبدأ من الزراعة، في حين يراها البعض الآخر من الصناعة، أو من الملف الاجتماعي والمعيشي، لكن بالمحصلة يجب أن نبدأ.

صحيفة الثورة التقت عدداً من الاقتصاديين لتحديد أولويات الاقتصاد السوري للمرحلة الانتقالية مع الحكومة الجديدة.

تراجع

يقول عميد كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتورعلي كنعان: إن الاقتصاد السوري شهد تراجعاً كبيراً خلال مرحلة الثورة في الخدمات والإنتاج والمشاريع الصناعية والزراعية، مع تراجع كلّ مؤشرات الاقتصاد السوري خلال تلك الفترة، أي من العام ٢٠١١ وحتى سقوط النظام البائد بتاريخ ٨ كانون الأول ٢٠٢٤، وهذا الأمر ألقى على الحكومة الجديدة عبئاً ثقيلاً.

ثلاثة محاور..

الخدمي أولاً، وبالتالي- حسب وجهة نظر كنعان- فإن أولويات الاقتصاد السوري للمرحلة القادمة تتمحور حول ثلاثة محاور، الأول.. الجانب الخدمي، والذي يأتي على رأسة الكهرباء، ويجب أن تسعى الحكومة الجديدة إلى زيادة تأمين الطاقة الكهربائية، والهدف ليس فقط الإنارة المنزلية، بل تشغيل المعامل والورشات الصغيرة والمحال التجارية والصناعية، الأمر الذي سيساعد بتشغيل اليد العاملة العاطلة عن العمل، وبالتالي ستبدأ عملية الإنتاج بالدوران.

الصحة

ويتابع بذات الجانب ليضيف: الصحة والمستشفيات التي تعاني من تقادم الأجهزة لديها، كأجهزة التصوير وترميم مخابر التحليل، لتستطيع استقبال المرضى والقيام بخدماتها بشكل جيد من الناحية الصحية، وأيضاً خدمات الاتصالات والانترنت، التي أصبحت اليوم أهم من الطعام والشراب، فالشركات والمعامل والوزارات والجامعات كلها تعمل عبر الشبكة الذكية ووسائل التواصل، وضعف الإنترنت سيؤثر على كفاءة أداء العمل الصناعي والتجاري.

المصارف

ويضيف عميد كلية الاقتصاد: المصارف كجزء من الخدمات التي أضحت بحاجة إلى تطوير آليات عملها والعمل بآلية جديدة، فمثلاً على مصرف سوريا المركزي أن ينقل مهنة الصرافة من الصرافين على الطرقات إلى البنوك وشركات الصرافة، بمعنى أن يتولى عملية تصريف العملة وضبط سعر الصرف والتحويل واستقبال الحوالات، لتأتي شركات الصراقة بالدرجة الثانية بعد المصارف بهذه المهمة، فلا يحق لأي مواطن على الطريق أو صراف صغير أن يقوم بعملية الصرافة لأنه يُسيء لسعر صرف الليرة ويضارب بسعر ومستقبل الليرة السورية، كما أنه يخفض السعر بحسب رغبة مجموعة مضاربين، وهذا الأمر يخالف قانون النقد الأساسي وقانون المصارف، لذلك يجب أن ننزع هذه المهمة الأساسية المصرفية من الصرافين على الطرقات إلى المصارف، وهذه مهمة “المركزي” ليصبح سعر الصرف أكثر استقراراً، أو يدور ضمن هامش الاستقرار بدلاً من أن ينخفض إلى ٧ آلاف ليرة، ويعاود الارتفاع إلى ١١ ألفاً أو ١٢ ألف ليرة سورية، وهذا الأمر يُسيء للصناعة والتجارة وللمدخرين والحوالات الخارجية، وبالتالي تنشأ شريحة معينة تستغل المواطنين.

الاجتماعي

وفي الجانب الاجتماعي يقول كنعان: على الحكومة أن تحصر المتضررين للمرحلة السابقة، وتبدأ بتقديم إعانات أكثر عدالة من الطريقة الحالية، والآلية اليوم أصبحت سهلة بوجود داتا تحصر أعداد المحتاجين والمتضررين للبدء بهذا الملف الاجتماعي الضروري للمرحلة القادمة.

الصناعة أولاً

وفي الملف الاقتصادي، وهو الجانب الثالث من أولويات الاقتصاد السوري للمرحلة القادمة، يرى كنعان أننا بحاجة لإطلاق الصناعة السورية ودعمها وتقديم خدمات للصناعة السورية لأن سوريا بلد صناعي وليس تجارياً، فعندما نشأت سوريا نشأت كبلد حرفي، فأكثر المواطنين يعملون بالحرف أو المجال الصناعي والقسم الآخر بالزراعة.

ويضيف كنعان خلال حديثه: إذا أردنا أن نُفعّل الزراعة يجب علينا أن نفعل الصناعة وننشط العمل الصناعي، وأن ندعم العمل الصناعي والمنشآت الصناعية، ونبحث عن احتياجاتها من الكهرباء والبنية التحتية، وأن نخفض الرسوم الجمركية على المواد الأولية المستوردة لتبدأ عملية الإنتاج بالدوران، وعندما تبدأ عملية الإنتاج الصناعي والحرفي بالدوران تبدأ البلد بالتحسن اقتصادياً، أما إذا بقيت الصناعة على حالها فالوضع سيزداد سوءاً.

٤٠٠ مصنع في حلب

ويقول كنعان: بحسب ما علمنا أن هناك ٤٠٠ مصنع في حلب تم إنشاؤه من جديد، وقد باشروا العمل، وهذه الظاهرة لو انتشرت في دمشق وحمص وحماة، فهذا سيؤدي إلى بدء عجلة الإنتاج بالدوران وتشغيل العمالة، وبالتالي التصنيع ودعم الزراعة من جهة والتجارة من جهة أخرى، كما أن ذلك سيسهم بتسويق المنتجات الصناعية وتصديرها لأن المنتجات السورية اليوم رخيصة بالأسواق الدولية، وهي ذات نوعية جيدة، ولذلك يجب أن ندعم صناعتنا لتعود إلى الواجهة.

رؤية متكاملة

وفي سياق متصل يرى أستاذ التحليل الاقتصادي بكلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتورعابد فضلية، أن الحكومة بحاجة إلى رؤية متكاملة من مختلف الجوانب تتضمن تفاصيل فنية وزمنية، بمعنى خطّة زمنية تحدد على مراحل ثلاث قصيرة المدى ومتوسطة وبعيدة.ويضيف: إننا لم نقرأ بعد رؤية أو خطّة عامة للحكومة، لكن هذا لا يعني أن هذه الرؤية غير موجودة قد تكون موجودة، لكن نتمنى أن نقرأها ونناقشها مع المواطن.

الزراعة أولاً

ويرى الدكتور فضلية أن من أهم أولويات الاقتصاد السوري للمرحلة القادمة دعم الزراعة أولاً وثانياً وثالثاً بشقيها النباتي والحيواني، ومن ثم دعم الصناعة التحويلية لأن جميع القطاعات الأخرى مرتبطة بها.

بالمقابل- يؤكد فضلية على أهمية الموارد المالية لدعم تلك الأولويات، فحسب ما تمّ التصريح به، فإن حجم وقدرة الموازنة العامة للدولة غير كافية للتحديات القادمة، لذلك لابدّ من تأمين موارد مالية وذلك لن يكون إلا من خلال الإنتاج.

ويرى أن الإعفاءات للأنشطة الإنتاجية ضرورية ومطلوبة، لكن ليس بالطريقة التي نقوم فيها بإعفاء كلّ شيء ، فالضرائب واجبة ومن مصلحة الاقتصاد والمجتمع.

تفاعل الجميع

ويعرج على أهمية تفاعل رجال الأعمال المؤثرين بالاقتصاد الوطني، مشيراً إلى أهمية الاجتماع الذي قام به مؤخراً وزير الاقتصاد والصناعة الدكتور نضال الشعار مع المديرين العامين والموظفين، لكن كنّا بحاجة إلى مشاركة ممثلي غرف التجارة والصناعة من خبراء الاقتصاد الفنيين والأكاديميين، لتقديم رؤية متكاملة عن صورة الاقتصاد السوري للمرحلة القادمة.

هوية زراعية

وحول هوية الاقتصاد السوري للمرحلة الانتقالية التي تمّ تحديد مدّتها الزمنية بخمس سنوات، فيرى أن هوية اقتصادنا زراعي بامتياز لتوفر مكونات تلك الهوية، فلا يمكن أن يكون هناك صناعة من دون زراعة في حين يمكن أن يكون هناك صناعة من دون زراعة، لذلك يجب أن تكون مدخلات الصناعة من مخرجات الزراعة، ومخرجات الصناعة تحويلية ومفيدة للقطاع الزراعي، وإذا ما تفاعل القطاعين الزراعي والصناعي معاً، فسينعكس ذلك على بقية القطاعات.

ويقول فضلية: إن الحكومات السابقة أهملت القطاع الزراعي ونظرت له نظرة دونية للأسف، وهذا ما أوصلنا إلى واقع زراعي صعب جعلنا نستورد القمح الذي كنّا ننتج منه ٤ ملايين طن.

ويختم كلامه حول انطلاق عجلة الإنتاج بالقول: إنه كلما اشتد الطلب يتحرك العرض، وبالتالي تدور عجلة الإنتاج.لاشك أنه من الصعب تحديد أولويات الاقتصاد في المرحلة القادمة لأن كلّ القطاعات متداخلة ويصعب الفصل بينها، وفي الحقيقة أن التعامل معها يجب أن يكون في نسق واحد، أي أن جميعها تحتل الأهمية ذاتها، إذا ما قلنا:إن زمن الخروج من الأزمات الاقتصادية قد حان، وهذا بدوره يتطلب المضي بسياسة اقتصادية واضحة المعالم يشارك في صياغتها خبراء واختصاصيون وأساتذة اقتصاد حتى نستطيع الخروج من بئر التجريب الذي وقعنا ضحيته لعقود.

الرواتب والأجورأولاً

وهنا يقول الأستاذ في كلية الاقتصاد الدكتورغسان إبراهيم: إن البدء بتصحيح الرواتب والأجور هو الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح، بغض النظر عن كلّ المؤشرات الاقتصادية المتردية نظراً إلى أنها كتلة نقدية كبيرة جداً، والاعتقاد السابق بأنها جانب اقتصادي استهلاكي، هو اعتقاد خاطئ وغيرمنطقي لأنه لا يجوز فصل الإنتاج عن الاستهلاك وهما بالمحصلة دورة اقتصادية واحدة.

تكامل الزراعة والصناعة

ويوضح أن دفع عجلة الإنتاج الزراعي نحو التصنيع وعدم الاستمرار ببيع وتصدير المنتجات كمادة خام كالقطن والزيوت والحمضيات والشوندر السكري، هذا سيفضي بالضرورة إلى إقامة مصانع، وبالتالي تطوير القطاع الصناعي، ويشدد على أن النهوض بالواقع الزراعي يقتضي دعم الفلاح عن طريق تخفيض أسعار مستلزمات العملية الإنتاجية حتى نتمكن من زيادة الدورة الزراعية..

والسؤال الأهم هنا -كيف نزيد الإنتاج ونخفض التكاليف؟

–التمويل بالعجز ليس عيباًيفيد الدكتور إبراهيم أن تخفيض مستلزمات الإنتاج في كلّ القطاعات يحتاج إلى دعم من قبل الدولة، وهو مسؤوليتها، حتى لو اضطرت إلى التمويل بالعجز، والذي يعني إما أن تقترض الحكومة من وزارة المالية، وهي بدورها تقترض من البنك المركزي إذا كان لديه احتياطي من العملة الوطنية أو طباعة العملة في حال كانت كمية الاحتياطي لا تكفي، وهذا يكون لفترة محدودة لا تتجاوزالعامين.ويؤكد أن هذا ليس عيباً، وهي نظرية وضعها الاقتصادي البريطاني جون كينز وطبقت في الدول الرأسمالية ذات الاقتصاديات الحرة أكثر من الدول النامية بعشرات المرات، بعد إن وصل عدد العاطلين عن العمل في أوروبا إلى 30 مليوناً خلال ثلاثينيات القرن الماضي، وحينها طبعت العملة لحل مشكلة البطالة بعد أن تمّ توظيف هؤلاء في قطاعات خدمية ثم إنتاجية، وإعطاؤهم رواتب للتخلص من تكدس البضائع، وبالتالي تحريك عجلة الاقتصاد.

باحث اقتصادي يؤكد لـ(الثورة) على ضرورة تشغيل المدن الصناعية

اعتبر الباحث الاقتصادي أحمد السليم، المختص بإدارة الأعمال، أن من أهم الاعتبارات التي يجب على الحكومة منحها الأولوية ضمن رؤيتها في سبيل وضع أساس متين للاقتصاد الجيد تشغيل جميع المدن الصناعية بالطاقة القصوى في قمة هرم أولوياتها، وتأمين كل ما يلزم لذلك سواء كان الأمر يتعلق بالطاقة أو بالتسهيلات اللوجستية، ولفت إلى أن الخطوة تساهم بشكل كبير في تأمين مستلزمات الحياة للمواطن السوري، ويزيد من تأمين فرص عمل هائلة للطاقات البشرية السورية، بالتوازي مع القطاع الصناعي على الحكومة وضع إستراتيجية فعالة تضمن للقطاع الزراعي النهوض مجدداً للوصول إلى الاكتفاء الذاتي، ولفت إلى أهمية وضع قوانين صارمة لحماية هذا القطاع، وخصوصاً مع توافر جميع الشروط الطبيعية والمناخية والبشرية في سوريا، ما ينعكس إيجاباً على جميع المستويات.

آخر الأخبار
الإمارات تستأنف رحلاتها الجوية إلى سوريا بعد زيارة الشرع لأبو ظبي الاحتلال يواصل مجازره في غزة.. ويصعد عدوانه على الضفة مصر والكويت تدينان الاعتداءات الإسرائيلية وتؤكدان أهمية الحفاظ على وحدة سوريا بعد أنباء عن تقليص القوات الأميركية في سوريا..البنتاغون ينفي إصلاح محطة ضخ الصرف الصحي بمدينة الحارة صحة اللّاذقية تتفقد مخبر الصحة العامة ترامب يحذر إيران من تبعات امتلاك سلاح نووي ويطالبها بعدم المماطلة لكسب الوقت  الأونروا: إسرائيل استهدفت 400 مدرسة في غزة منذ2023 صحة طرطوس تستعد لحملة تعزيز اللقاح الروتيني عند الأطفال الأونكتاد" تدعو لاستثناء اقتصادات الدول الضعيفة والصغيرة من التعرفات الأميركية الجديدة إصلاح المنظومة القانونية.. خطوة نحو الانفتاح الدولي واستعادة الدور الريادي لسوريا التربية تباشر تأهيل 9 مدارس بحماة مركز لخدمة المواطن في سلمية الاستثمار في المزايا المطلقة لثروات سوريا.. طريق إنقاذ لا بدّ أن يسير به الاقتصاد السوري أولويات الاقتصاد.. د. إبراهيم لـ"الثورة": التقدّم بنسق والمضي بسياسة اقتصادية واضحة المعالم خبراء اقتصاديون لـ"الثورة": إعادة تصحيح العلاقة مع "النقد الدولي" ينعكس إيجاباً على الاقتصاد المحلي في ختام الزيارة.. سلام: تفتح صفحة جديدة في مسار العلاقات بين لبنان وسوريا  محافظ اللاذقية يلتقي مواطنين ويستمع إلى شكاويهم المصادقة على عدة مشاريع في حمص الأمن العام بالصنمين يضبط سيارة مخالفة ويستلم أسلحة