ترجمة – هبة علي:
بعد عقود من الحكم، سقط نظام بشار الأسد، ومع هذا التحول التاريخي في ديسمبر 2024، يجد ملايين السوريين الذين أجبروا على المنفى أنفسهم أمام تساؤل لم يكن ليطرح من قبل: هل حان الوقت أخيراً للعودة إلى الوطن؟.
منذ اندلاع الحرب في عام 2011، اضطر ملايين السوريين للفرار من بلادهم، حيث استقبلت تركيا وحدها ما يقارب ثلاثة ملايين لاجئ، وفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ورغم الترحيب الأولي، تضاءل هذا الشعور بالقبول مع مرور السنوات، حيث بات العديد من السوريين في تركيا يشعرون بالتهميش المتزايد، وبأنهم كبش فداء للمشاكل الاقتصادية في الخطاب السياسي، والكثيرون آثروا البقاء قرب وطنهم، معتقدين أن منفاهم سيكون قصيراً، لكن الأسابيع تحولت إلى أشهر، ثم سنوات، حتى أصبحت فكرة العودة مستحيلة في فترة ما.
تغير هذا المشهد في ديسمبر 2024، مع سقوط نظام الأسد الذي انهار في غضون أيام بعد 24 عاماً من الحكم، ليفتح الباب أمام عهد جديد.
الآن يلوح الأمل في الأفق، لكن الخوف يظل سيد الموقف، ورغم أن أكثر من نصف مليون سوري قد عادوا بالفعل، وفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن العودة تتطلب قدراً هائلاً من الجرأة والثقة في المستقبل. فالواقع على الأرض يعج بالتحديات: تصاعد العنف الطائفي في الأشهر الأخيرة، ورغم بدء رفع العقوبات وإعادة ربط سوريا بالاقتصاد العالمي، إلا أن البنى التحتية من طرق وسكك حديد ومنازل لا تزال في حالة خراب واسع، فسنوات الصراع دمرت الخدمات الأساسية، فالكهرباء والمياه لا تزالان غير موثوقتين في العديد من المناطق. وفي ظل هذا الواقع المرير، كيف يمكن للسوريين تقييم مخاطر العودة؟ وهل يستطيع الوطن أن يعود لأبنائه حقاً بعد كل هذا الدمار المادي والنفسي؟ بعد أن عذب أو قتل الأصدقاء والأقارب، وبعد أن نُهبت أو دُمرت منازل الطفولة؟.
محمد جميل الشمري، مترجم متمرس يبلغ من العمر 44 عاماً ومولع بالأدب، يعكس هذا التحدي المعقد، عمل الشمري في أرقى المحافل الدولية من جنيف إلى باريس، حيث ترجم للرؤساء وقادة العمل الإنساني، وهو يستشهد بنعوم تشومسكي ويشير إلى فيلم “The Hours” ويلقي كلمات أغاني جورج مايكل في المحادثة بعفوية، ورغم عروض العمل في كندا وأوروبا، اختار البقاء في تركيا طوال السنوات الخمس عشرة الماضية من أجل عائلته.
الشمري يقول: “لم ترغب زوجتي في تربية بناتنا في بيئة أجنبية، شعرت أن تركيا أقرب إلى الوطن”، ويعلن اليوم استعداده للمساعدة في إعادة بناء سوريا، وإن كان بحذر شديد، فهو يضع الأمن أولاً ثم الاقتصاد: “حتى لو كنت أتقاضى ألف دولار يومياً في دمشق، إذا لم يكن الوضع آمناً، فلن أحضر عائلتي إلى هناك”.
يدرك الشمري تماماً التحديات التي تنتظره، فقد ارتفعت إيجارات المنازل في دمشق بشكل هائل بسبب نقص المساكن، ويواجه أطفاله، الذين يجيدون اللغة التركية، خطر التهجير الثقافي في حال عودتهم، “أنا من الطبقة المتوسطة،” يقول الشمري، “ماذا عن البقية؟ معظم السوريين لا يستطيعون تحمل إيجار السكن أو رسوم الدراسة.”ومع ذلك، يؤكد الشمري استعداده للعودة إلى سوريا، حيث يأمل في افتتاح وكالة ترجمة في دمشق، مؤكداً رؤيته للمستقبل: “يجب ألا نستنسخ الماضي، لا مزيد من الفساد، لا مزيد من الإقصاء.”إن رحيل الأسد فتح نافذة أمل لملايين السوريين، لكن طريق العودة إلى وطن آمن ومزدهر لا يزال طويلاً ومليئاً بالعقبات المادية والنفسية، فهل ستتمكن سوريا من تجاوز آثار الماضي، وبناء مستقبل يلبي طموحات أبنائها الذين طال انتظارهم للعودة؟ هذا هو السؤال الذي ستبقى الأيام القادمة كفيلة بالإجابة عليه.
المصدر- NPR