يؤجج النزاعات ويعيد إنتاج العنف.. ياسر الحموي لـ”الثورة”: خطاب الكراهية أخطر من السلاح

الثورة – هنادة سمير:

“خطاب الكراهية ليس مجرد كلمات عابرة، بل بات أداة خطرة تُوظف لتأجيج النزاعات وإعادة إنتاج العنف”، بهذه الكلمات يفتتح خبير علم الاجتماع ياسر الحموي حديثه لـ”الثورة”، محذراً من تداعيات التهاون مع هذا الخطاب الذي يتمدد في الفضاء العام، خصوصاً عبر وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي.

جذوره في مجتمعنا يُعرف خطاب الكراهية، بحسب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، أنه “أي نوع من التواصل القائم على مهاجمة شخص أو جماعة استناداً إلى صفات جوهرية مثل العرق، الدين، الجنس أو الانتماء السياسي”..

ويشير الحموي إلى أن سوريا عانت لعقود من خطاب إقصائي صامت، تغذيه منظومة الاستبداد السياسي، لكن الحرب فجرت هذا الخطاب بشكل سافر، لتطفو إلى السطح مظاهر الطائفية والتحريض العلني والتشهير الجماعي.

وأوضح أنه منذ عام 2011، ومع تصاعد الأحداث، شهدت البلاد انفجاراً في المحتوى التحريضي، تراوحت أشكاله بين شتائم طائفية، وتحريض مناطقي، وتخوين سياسي، شمل مختلف أطياف الشعب السوري، مبيناً أنه تم استخدام خطاب الكراهية كوقود لتجنيد الشباب، وكذريعة لتبرير الجرائم، خصوصاً من طرف النظام المخلوع ضد معارضيه.

ساحة مفتوحة للتحريض:

أوضح أنه مع انتشار الإنترنت، حتى في المناطق الأشد فقراً، تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى بيئة خصبة لخطابات الحقد، إذ يسهل تداول الشائعات وتضخيم الأحداث الطائفية ونشر دعوات الثأر.. ووفق تقرير صادر عن منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” في عام 2024، فإن أكثر من 38 بالمائة من المحتوى المنشور على صفحات سوريا عامة خلال الأحداث الساخنة تضمن تحريضاً صريحاً ضد فئات بعينها.

ويبين الحموي أن تويتر وفيسبوك أصبحتا ساحتي قتال بلا رصاص، وأضاف: اللغة المنتشرة ليست فقط مليئة بالكراهية، بل تغذي أيضاً الروايات الزائفة، وتمنح الشرعية للانتقام الجماعي.
يهدد النسيج الوطني والسلم الأهلي ونوه بأنه ليست المشكلة فقط في الكراهية ذاتها، بل في تبعاتها، فوفق دراسة لمركز كارنيغي للشرق الأوسط (2023)، فإن استمرار الخطاب التحريضي في مرحلة ما بعد الحرب يُعد من أبرز عوائق بناء الثقة بين السوريين، خاصة في المناطق التي شهدت مجازر أو تهجيراً قسرياً.

ويحذر التقرير من أن تجاهل هذا الخطاب، أو التعامل معه كـ”تنفيس مجتمعي”، قد يؤدي إلى موجات عنف جديدة، ولاسيما مع عودة اللاجئين، وتداخل مصالح الضحايا والجلادين في الحيز الجغرافي ذاته.

قانونياً التجريم غائب أو مسيس وأشار الحموي إلى أن سوريا تفتقر، حتى عام 2025، إلى تشريع خاص وواضح يجرّم خطاب الكراهية بشكل مستقل، رغم أن قانون العقوبات السوري يعاقب على “إثارة النعرات الطائفية” وفق المادة 307، لكن تطبيق هذا النص ظل، بحسب منظمات حقوقية، انتقائياً وسياسياً، إذ استُخدم لقمع حرية التعبير أكثر من كونه أداة لضبط التحريض الحقيقي.

ويؤكد أن غياب إطار قانوني عادل ونزيه لمكافحة خطاب الكراهية يترك المجال مفتوحاً لمزيد من الانفلات، ويجعل المواطنين عرضة للابتزاز أو القمع باسم مكافحة التطرف.

وفي عام 2024، نشرت وزارة العدل في الحكومة السورية المؤقتة مسودة قانون لمناهضة خطاب الكراهية، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، لكنه لم يُقر حتى اليوم، وجاء في المادة الأولى من المسودة أن خطاب الكراهية جريمة يُعاقب عليها القانون إذا أدت إلى التحريض على العنف، أو التمييز، أو الإقصاء الاجتماعي..

الإعلام والتعليم أولاً:

يرى الخبير الحموي أن العلاج لا يمكن أن يكون أمنياً أو قضائياً فقط، بل لابد أن يبدأ من المناهج التعليمية ووسائل الإعلام، التي ينبغي أن تلعب دوراً في تفكيك السرديات العدائية، ويجب تعليم الأطفال منذ الصغر أن الاختلاف لا يعني الخطر، وأن المواطنة لا تختزل في الطائفة أو العشيرة.

وفي هذا السياق، أطلقت منظمة اليونيسيف في عام 2023 برنامجاً تدريبياً تحت عنوان “مدارس بلا كراهية”، يستهدف المدرسين في الشمال السوري لتعزيز ثقافة الحوار والتسامح بين الطلبة..

كما تمكنت مبادرات إعلامية محلية من جهة أخرى مثل “راديو روزنة” و”حكاية ما انحكت” من إنتاج محتوى توعوي يفضح خطاب الكراهية، ويشجع على الخطاب الإنساني المشترك.

للمجتمع المدني دوره في بناء التماسك

يمتلك المجتمع المدني السوري، رغم كل التحديات، أدوات حقيقية لتقويض خطاب الكراهية، كما يرى الحموي ويضيف: “عندما تنجح جمعية في جمع شباب من خلفيات متناحرة سابقاً في مشروع مشترك، فهي بذلك تهدم جدران الكراهية بطريقة أكثر فاعلية من أي خطاب رسمي”. ويشير إلى مبادرة “السلام بيننا” التي نفذتها مجموعة من منظمات المجتمع المدني في إدلب عام 2024، إذ خضع 300 شاب وشابة لدورات عن التنوع الثقافي، والتاريخ المشترك، والعدالة الانتقالية، وأثمرت عن مشاريع محلية لفض النزاعات المجتمعية.

الفرصة قائمة

لا تزال الفرصة قائمة لتجاوز خطاب الكراهية عندما تتوفر الإرادة الحقيقية لدى جميع الجهات المعنية السياسية والقانونية والمجتمعية لبناء خطاب جامع لا يلغي الاختلاف، بل يحتضنه ضمن قيم المواطنة، فما نحتاج إليه ليس فقط رفع شعار ‘لا للكراهية’، بل سياسات ومناهج وإعلام ومجتمع يؤمن بأن الاختلاف ليس تهديداً بل ثروة.

آخر الأخبار
البلاغة السياسية.. كيف اختصر الرئيس الشرع التحديات في خمسين ثانية؟ إطلاق متحف افتراضي للسجون يوثق شهادات الناجين في سوريا بين دفتي الحسم والمرونة.. سوريا ترسم حدود التعاطي مع إسرائيل سوريا الجديدة.. من العزلة إلى بناء التوازنات قمة الدوحة.. سوريا تعود فاعلة بمسار العمل العربي المشترك الشفافية ليست ترفاً.. معركة السوريين المستمرة مع الفساد المتجذر   بين أرصفة ساحة الأمويين المنسقة وأحياء مهملة.. كيف تصرف الموارد؟ تربية الأطفال.. توازن دقيق بين الحزم والفهم  تسمم غذائي لـ 34 مواطناً.. المايونيز يكشف خلل الرقابة الاستثمار في الإنسان..الطريق إلى سوريا المتجددة "الإعلام التقليدي وتحديات الرقمنة ".. في دورة تدريبية أزمة نظافة في صحنايا.. ورئيس البلدية يكشف الأسباب نساء حلب يصنعن الجمال.. تمكين مهني بصناعة المواد التجميلية السياح الأجانب ببصرى الشام.. حين يتحدث الحجر بلغة العالم مشروعان حيويان لتحسين واقع المياه بحلب مشروع دعم مياه الشرب في الشيخ مسكين في مواجهة التحديات.. الزراعة والصناعة العلفية درع الأمن الغذائي حماية المبلغين عن الفساد بداية التغيير الجاد وزير الطوارئ يوجه رسالةً إنسانيةً لتضحيات الدفاع المدني تضحية على خط النار.. وجوه الإصرار بين ألسنة اللهب ومخلفات الحرب