الثورة – متابعة عبد الحميد غانم:
بحسب أغلب المحللين الغربيين، فإن خفض أسعار الفائدة بشكل مصطنع من جانب البنك المركزي يدفع الشركات إلى زيادة استثماراتها في السلع الرأسمالية وبنية الإنتاج (على سبيل المثال، الأدوات والآلات والبنية الأساسية)، ومن المفترض أن يؤدي هذا إلى زيادة النمو الاقتصادي.
إذاً خفض أسعار الفائدة بشكل مصطنع يؤدي إلى النمو الاقتصادي، ولكن هل هذا منطقي؟.
تفضيلات الوقت الفردية وأسعار الفائدة
وفقاً لمفكرين اقتصاديين نمساويين، مثل كارل مينجر ولودفيج فون ميزس، فإن الاهتمام هو نتيجة لحقيقة أن الأفراد يعطون أهمية أكبر للسلع الحالية مقارنة بالسلع المتطابقة في المستقبل، وإن التقييم الأعلى ليس نتيجة لسلوك متقلب، بل لأن الحياة في المستقبل غير ممكنة من دون الحفاظ عليها أولاً في الحاضر.
وفقاً لعالم الاقتصاد كارل مينجر: وبقدر ما يعتمد الحفاظ على حياتنا على إشباع احتياجاتنا، فإن ضمان إشباع الاحتياجات السابقة يجب بالضرورة أن يسبق الاهتمام بالاحتياجات اللاحقة، وحتى لا تعتمد حياتنا، بل مجرد رفاهيتنا المستمرة على التحكم في كمية من السلع، فإن تحقيق الرفاهية في فترة أقرب هو، كقاعدة عامة، شرط أساسي للرفاهية في فترة لاحقة. كما ذكر ميزس: “من يريد أن يعيش ليرى اليوم الآخر، عليه أولاً وقبل كل شيء أن يهتم بالحفاظ على حياته في الفترة المتوسطة، إن البقاء على قيد الحياة وتلبية الاحتياجات الحيوية هي متطلبات لإشباع أي احتياجات في المستقبل البعيد”.
ومن ثم، فإن “السلع الحالية تحظى بأهمية أكبر من السلع المستقبلية المتطابقة، ويتجلى ذلك من خلال إعطاء الأفضلية للسلع الحالية على السلع المستقبلية نفسها، وإن القسط هو كل ما يتعلق بالفائدة، وبما أن الأفراد يفضلون السلع الحالية أكثر من السلع المستقبلية، فهذا يعني أن الاهتمام يجب أن يكون إيجابياً”.
مجرد مؤشر
إن الفائدة ومعدل الفائدة مجرد مؤشر يعكس تفضيلات الوقت الفردية، إنَّ خفض أسعار الفائدة- في غياب التدخل- يشير إلى الشركات أن الأفراد زادوا من مدخراتهم، وبالتالي فإن زيادة الادخار تتيح استثمار رأسمال أكبر.
إن زيادة السلع الرأسمالية تمكن من زيادة إنتاج السلع والخدمات المستقبلية، بكفاءة أكبر وعادةً بأسعار أقل، وبطريقة ما، أصدر الأفراد تعليمات للشركات بزيادة إنتاج السلع الاستهلاكية في المستقبل مقارنة بالإنتاج الحالي لهذه السلع.
التوسع الاصطناعي
ومن ناحية أخرى، فإن خفض أسعار الفائدة من جانب البنك المركزي من خلال التوسع الاصطناعي في النقود والائتمان- في غياب زيادة في المدخرات-ـ يحول المدخرات عن الأنشطة الإنتاجية الأخرى، وسوف يؤدي ذلك إلى سوء توزيع المدخرات واختلال التنسيق بين الأسعار وهيكل الإنتاج.
المدخرات
وفي هذه الحالة، يتم تحويل المدخرات نحو الأنشطة التي نشأت على رأس سياسة أسعار الفائدة المنخفضة التي ينتهجها البنك المركزي، ما لدينا هنا هو تحويل الاستثمار من الأنشطة المولدة للثروة إلى أنشطة غير مولدة للثروة.
لكن هل يؤدي خفض سعر الفائدة إلى تعزيز تكوين رأس المال؟.
رغبات الأفراد
عندما لا يتم التلاعب بسعر الفائدة، فإنه- وفق المحللين الغربيين- يعمل كمؤشر للشركات فيما يتعلق برغبات الأفراد فيما يتعلق بالاستهلاك الحالي مقابل الاستهلاك المستقبلي.
وعندما يتلاعب البنك المركزي بأسعار الفائدة، فإنه يقوم بتزوير الحسابات الاقتصادية، ما يتسبب في رفض الشركات لتعليمات الأفراد فيما يتصل بإنتاج السلع الاستهلاكية الحالية مقابل إنتاج السلع الاستهلاكية المستقبلية.
وكتب عالم الاقتصاد النمساوي روثبارد: “بمجرد أن يعيد المستهلكون تأسيس نسب الاستهلاك/ الاستثمار المرغوبة لديهم، يتبين أن الشركات استثمرت أكثر مما ينبغي في السلع الرأسمالية (ومن هنا جاء مصطلح “نظرية الاستثمار النقدي المفرط)”، لقد انخدع قطاع الأعمال بالتلاعب الحكومي وخفض أسعار الفائدة بشكل مصطنع.
ويتابع “إن خفض أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي يؤدي إلى الإفراط في الاستثمار في السلع الرأسمالية وإلى نقص الاستثمار في السلع الاستهلاكية، ويؤدي الإفراط في الاستثمار في السلع الرأسمالية إلى نشاط اقتصادي، وهو ما يطلق عليه اسم الطفرة الاقتصادية، وعليه، إن تصفية الاستثمارات الزائدة هي بمثابة كارثة اقتصادية.
ومن هنا جاءت الدورة الاقتصادية المزدهرة والكسادية”.
توسيع المدخرات: مفتاح النمو
من دون توسيع وتحسين هيكل الإنتاج من خلال الاستثمار الرأسمالي، من الصعب أو حتى من المستحيل زيادة العرض من السلع والخدمات بشكل مستمر، إن توسيع وتحسين البنية التحتية يعتمد على زيادة المدخرات، وإن الادخار يسبق بالضرورة الاستثمار الرأسمالي، ومن ثم فإن ما يهم للنمو الاقتصادي ليس فقط الأدوات والآلات والعمالة، بل أيضا الادخار والاستثمار الرأسمالي الذي يعمل على توسيع بنية الإنتاج.
العرض والطلب
والآن، هل من الممكن أن تؤدي الزيادة في الإنفاق الاستهلاكي، بسبب أسعار الفائدة المنخفضة بشكل مصطنع، إلى تعزيزالنمو الاقتصادي؟ الجواب هو: لا، لأن زيادة الإنتاج يجب أن تسبق زيادة الاستهلاك.
اقتصاد السوق
في اقتصاد السوق، لا ينتج المنتجون كلّ شيء لاستهلاكهم الخاص، ويستخدم جزءاً من إنتاجهم للتبادل بالسلع التي ينتجها منتجون آخرون.وفقاً لعالم الاقتصاد البريطاني ديفيد ريكاردو: لا ينتج الإنسان إلا بهدف الاستهلاك أوالبيع، ولا يبيع أبداً إلا بقصد شراء سلعة أخرى قد تكون مفيدة له على الفور، أوقد تساهم في الإنتاج المستقبلي، ومن خلال الإنتاج، فإنه يصبح -بالضرورة- إما مستهلكاً لسلعه الخاصة، أو مشترياً ومستهلكاً لسلع شخص آخر.وهذا يعني أن شيئاً ما يتم استبداله بشيء آخر.
ويعني هذا أيضاً أن زيادة إنتاج السلع والخدمات تؤدي إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات.