الثورة – غصون سليمان:
قد تختلف أهداف الإعلام في بعض النقاط الجوهرية عن أهداف الرأي العام، لكنها تتقارب من خلال وظائفها وقد تلتقي، فوظائف الإعلام ووظائف الرأي العام تهتمان بالجمهور، فهو الملتقى لوسائل الإعلام ومضامينها ومنه يتكون الرأي العام، إذ تبدو العلاقة في بدايتها بينهما على أساس أن وسائل الإعلام لا تخلق الرأي العام من العدم، وتكونه وتوجهه، وتغير رأي الأقلية إلى الأكثرية، وتنقل رأي الصفوة إلى المستنيرين والمنقادين.
وكذلك الرأي العام له أهمية كبرى في توجيه الإعلام ذاته، والاسترشاد بالمضامين الإعلامية المذاعة والمنشورة على المجتمع من خلال وسائل الإعلام- حسب رأي الدكتور عزت شاهين- قسم علم الاجتماع جامعة دمشق.
علاقة متبادلة وبين أن تأثير الوسائل الإعلامية في الرأي العام شرط محقق اليوم، فإن كان الفرد متعلماً أم أمياً لابد وأنه تعرض لإحدى هذه الوسائل وتأثر بها على كثرتها.. من الصحيفة إلى المذياع إلى التلفاز وغيرها، لكن التطور الهائل في وسائل الإعلام أدى إلى وجود علاقة متبادلة ومتفاعلة بين الحكومات والرأي العام، فأجهزة الإعلام تشكل قنوات اتصال بين الحكومات والرأي العام، فتدفع المواطنين من حيث لا يدرون إلى تكوين رأي عام يصب في تبنيهم لأهدافها الساعية إلى تنفيذها.. ولذا تسعى معظم الأنظمة الحاكمة إلى السيطرة على الوسائل الإعلامية أو إخضاعها للمراقبة الشديدة.
لقد جعل الرأي العام الحكومات- وفق الدكتور شاهين، تشعر بتهيب منه لأن وراءها عيونا وآذاناً تلاحقها وتسجل عليها النقاط والمآخذ، ولهذا تتخذ الدراسات الباحثة عن الحقيقة المختصة بالرأي العام أبعاداً إعلامية تقر في أولويتها الموضوعية.
هذه الموضوعية تعد نقطة الرجعة إلى حياة الحكومات الاجتماعية، فهي الشفيع إن وقعت كارثة تنجيهم أو عزلهم أو سقوطهم ، فذاكرة الرأي العام ستصبح حينها هي القاضي فيهم.
دور الرقابة
ويضيف الدكتور شاهين أن للسلطات الحكومية دورها في تكوين الرأي العام والتأثير فيه، من خلال ما تُزود الأجهزة والمؤسسات الإعلامية به، من خبراء في العلاقات العامة وشؤون الصحافة والإعلام والمعلومات الصحيحة، لكن المشكلات تتأتى من الرقابة على تلك الوسائل وما تنشره، بحجة التماسك الوطني وعدم إفادة العدو من بعض الحقائق، أو لأن بعض الصحف لا تسلك في بعض الأحيان السلوك المسؤول والتستر على الأعمال الخاطئة والتجاوزات وراء قناع السرية بحجه الأمن الوطني والقومي، وتحول الإعلام، ولاسيما الصحفي إلى مجرد هيئات تدار من قبل موظفين حكوميين لا يستحوذون اهتمام الجمهور والتأثير فيه، وبرزت مشكلة إعداد المؤهلين والمتخصصين في مجالات الرأي العام والإعلام كنتيجة حتمية لعدم احترام الجمهور لإجراءات لا تحترمه وتثق به.
تسميم العقول
يوضح الدكتور شاهين أنه لا أحد اليوم يدري كم هناك من الخطط التي توضع لتسميم العقول عبر الإعلام، فمثلاً نرى أن وكالات الأنباء الغربية وبحسب منها من ردات الفعل الإعلامية عند الرأي العام العالمي، لا تنقل ما يحدث في الغرب من عمليات ابتزاز واستغلال رأسمالية، بل وحتى الأخبار المتعلقة بالإضرابات المختلفة الأسباب، تنقلها إلى العالم على شكل أخبار محرفة عن غاياتها المشروعة، بحكم سيطرة الرأسمال الغربي على ذمم الإعلاميات الدولية.
وأكد أن هناك تحوير لاستطلاعات الرأي العام في الغرب، بينما لا توجد مثل هذه الاستطلاعات في عالمنا العربي، لكن ومما يثير الدهشة حقاً والسخرية أيضاً في ظل غياب التخطيط في وسائل الاتصال الجماهيري العربي وفي مؤسساته، وتحسس القضايا العامة، لجوء بعض تلك الوسائل إلى استطلاع الرأي العام حول الأغاني واعتبارها مشكلات الجماهير وقضاياهم المصيرية.
فكل البرامج الطربية والغنائية والمسابقات الممتعة التي تبث وتضرب في الرأي العام تترافق مع تأزم في القضية القومية، وكأن الإعلام العربي على موعد مع قضايا، فيبتكر برامجه ومسابقاته أو تنضج في فترات حرجة، لابد وأن تحشد لها الجماهير وتحركها، لكنك تجد تخدير الإعلام قد فعل فعله وقتها في رؤوس الجماهير كل ذلك نتيجة سيطرة الرأسمال الخاص على الإعلام الذي يمكن أن الذي يمكن أن يكون ذا إطار وطني، لكن بمضمون عماله خارجية.
أخطار الدعاية
إن أكبر أخطار الدعاية تتمثل في احتمال وقوعها في قبضة الرأسمالية المنحرفة لأسر الإعلام، وبالتالي تجنيده للدعاية المنحازة لمصالح مجموعات وشركات عملاقة.
ذلك يلاحظ وفق الرأي الأكاديمي كيف أن رأس المال يسيطر على المجتمع، فيبعد السياسة والقانون والإعلام وغيرها عن الصواب.. وفي ذات الوقت يهدد الإعلام ودوره بشكل خطر مما دفع البعض للدعوة إلى تأسيس السلطة الخامسة وهي الرقابة الإعلامية.. فإذا كانت الصحافة هي السلطة الرابعة وجبت رقابتها بسلطة تعزل عنها الغائية والأيديولوجيات والتحكيم والتسميم وتطلق لها حريتها.
قلق شديد
أما جماعات الضغط، فقد بات لها تأثير متنامٍ اليوم في الرأي العام عن طريق الصحافة والإذاعة والتلفزيون والسينما واللقاءات والندوات والمؤتمرات، ما دعا البعض إلى القلق الشديد والتفكير والتنظير للحد من التأثيرات السلبية لهذه الجماعات، والتي باتت من جهة تشل من حرية الممثلين الشرعيين ودفاعهم عن مصالح ناخبيهم من جهة، ومن ناحية أخرى تكبح الإعلام من جهة ثانية ومؤسساته وأجهزته من القيام بتأثيره المطلوب في الرأي العام وبلورته وترشيده.
وجاءت ولادة فئتين من جماعات الضغط، إما لاتجاه الأمة ككل في الحرب والسلم، وإما لاتجاه الاقتصاديين في زيادة الأسعار أو عدمه.
مع العلم أن لجماعات الضغط دوراً ايجابياً أحياناً في تحريك الرأي العام ودفعه إلى نقاط كان على غفلة منها ما يفيد الإعلام في تكوين الرأي العام وإيجاد فئات جديدة من الجماهير تستمتع أو تتعرض لوسائل الإعلام عن طريق برامجها وأشكالها الجذابة، ثم تهتم بقضاياها وتناقشها، وبعدها تكون الرأي العام حولها بما يرتقي به عن طريق تنفيذ أهدافه ووظائفه بصورة دقيقة وصادقة وموضوعية تخدم المجتمع بالفعل.
فالإعلام والرأي العام وجهان لعملة واحدة، لا بل إن العلاقة بينهما هي علاقة تفاعل وتكامل أو تساند وظيفي، بمعنى أن كل طرف من طرفي العلاقة يؤثر في الطرف الآخر ويتأثر به في الوقت ذاته.