كيف نجذبه في ظلّ الاقتصاد الحر؟. الاستثمار الأجنبي بات ضرورة لبناء سوريا المستقبل

الثورة – تحقيق هلال عون:

مع دخول سوريا مرحلة جديدة بعد سنوات الحرب، أصبح جذب الاستثمارات الأجنبية ضرورة ملحّة لدعم إعادة الإعماروتحقيق التنمية المستدامة.

هذا الأمر، وإن بدا حلماً، لكنّه حلم يمكن تحويله إلى واقع، فقد مرّت العديد من الدول بظروف مشابهة لظروفنا، لكنها استطاعت تجاوزمحنتها الاقتصادية وجذب استثمارات أجنبية ضخمة بفضل سياسات ذكية ومشاريع استراتيجية، فعلى سبيل المثال نجحتْ فيتنام، بعد حرب طويلة، في تحقيق نمواقتصادي متسارع من خلال برنامج “دوي موي” الذي فتح البلاد أمام الاستثمارات، وبلغ ناتجها المحلي الإجمالي في عام 2023 نحو 409 مليارات دولار.

كيف يمكن لسوريا أن تصبح وجهة جاذبة للاستثمارات الأجنبية رغم التحديات..وما العوامل التي يجب أن تتوافر لتحقيق ذلك؟.

في هذا التحقيق يقدّم عدد من خبراء الاقتصاد والإدارة رؤاهم..

التشريعات المشجعة

الخبير والاستشاري في الإدارة والاقتصاد وإعادة هيكلة الشركات الدكتورعبد المعين مفتاح، يعرض عدّة نقاط، يرى أنها كفيلة بجذب الاستثمارات الأجنبية، وهي:

أولاً: الاستقرار والتشريعات المشجعة، فالمستثمر الأجنبي يبحث أولاً عن بيئة مستقرة وقوانين واضحة تحمي حقوقه، فلن يخاطر المستثمرون بضخ أموالهم في مشاريع غيرمضمونة العوائد، وفي بيئة ليس فيها إطارقانوني واضح ومستقر.

ويؤكد د. مفتاح أن بعض الدول، مثل سنغافورة، نجحت في جذب استثمارات ضخمة عبر تطويرقوانين استثمارية مرنة توفر الحماية القانونية وتحفّز النمو الاقتصادي.وفي سوريا يجب تحديث التشريعات، وإزالة العقبات البيروقراطية، وتقديم حوافز ضريبية، لأن ذلك سيجعل السوق أكثر جاذبية للمستثمرين.

أما النقطة الثانية :التي ركّز عليها د. مفتاح فهي البنية التحتية المتطورة، لأنها الأساس لأي استثمار، وهي عنصرحاسم في قرار أي مستثمر، فالشركات الكبرى تحتاج إلى شبكة طرق حديثة، وموانئ مجهزة، وكهرباء مستقرة، واتصالات متطورة لضمان تشغيل أعمالها بكفاءة، ولا يمكن لأي اقتصاد أن ينمو دون بنية تحتية قوية، لذلك يجب أن تكون الأولوية لإعادة تأهيل المواصلات والطاقة، ويمكن تحقيق ذلك عبرالشراكة بين القطاعين العام والخاص.

والنقطة الثالثة :التي شدّد عليها هي مكافحة الفساد وتعزيزالشفافية، فالفساد من أكبر العقبات أمام الاستثمار، حيث يؤثرسلباً على ثقة المستثمرين.

وفي خدمة هذا الهدف يجب إنشاء هيئات رقابية فعّالة، واعتماد أنظمة إلكترونية لتقليل التدخل البشري في الإجراءات الحكومية، مما يعزز الشفافية ويجذب المستثمرين.

الزراعة والصناعات الغذائية

وعن القطاعات الأكثر جذباً للاستثمار في سوريا، أوضح رجل الأعمال محمد أيمن مولوي أن سوريا تتمتع بفرص استثمارية كبيرة في عدة مجالات، من أبرزها:الطاقة المتجددة، والزراعة والصناعات الغذائية، والتكنولوجيا والاتصالات، والسياحة بكافة أشكالها، لكن ذلك كله يحتاج إلى بيئة آمنة وتشريعات مشجعة.

وشدد رجل الأعمال الدكتور المهندس ياسر أكريّم على صحّة ما ذهب إليه مولوي، بالقول: يمكن جذب استثمارات ضخمة في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، خاصة مع التوجه العالمي نحو الطاقة النظيفة.

أما في مجال الزراعة والصناعات الغذائية، فلفت إلى أن سوريا تمتلك أراضي زراعية خصبة، مما يجعلها بيئة مناسبة للاستثمار في الصناعات الغذائية والتصدير.

وكذلك الأمر في التكنولوجيا والاتصالات، إذ يمكن لسوريا الاستفادة من خبرات شبابها في قطاع التكنولوجيا لجذب شركات البرمجيات والاتصالات.

وعن السياحة قال هي مورد مهم جداً للاقتصاد الوطني، و تمتلك سوريا مواقع أثرية وتاريخية غنية، ويمكنها استقطاب استثمارات في السياحة والفنادق عند تحقيق الاستقرار.

وعن دورالحكومة والمغتربين السوريين في دعم الاستثمار، يؤكد الدكتورمفتاح أن الحكومة يجب أن تقدّم الضمانات والتسهيلات للمستثمرين، مع التركيزعلى استقطاب المغتربين السوريين الذين يمتلكون خبرات ورؤوس أموال ضخمة، وتشيرالتقديرات إلى أن رجال الأعمال السوريين في الخارج يمتلكون أكثر من 100 مليار دولار، وإذا تمّ توفيربيئة استثمارية مشجعة، فيمكن جذب جزء كبير من هذه الأموال لدعم الاقتصاد الوطني.

تجارب ناجحة

الثورة” سألت د. عبد المعين مفتاح عن مفهوم وآلية برنامج “دوي موي” الفيتنامي الذي ساهم بنقل فيتنام من دولة فقيرة دمرتها الحرب قبيل عام 1975 إلى دولة متطورة ومصدّرة، وعن تجارب دول أخرى مرّتْ بأزمات اقتصادية، لكنّها استطاعت النهوض عبرسياسات استثمارية ذكية يمكن الاستفادة منها، فقال: برنامج ” دوي موي” الفيتنامي يعني التجديد، انتقلت به فيتنام من اقتصاد مركزي إلى اقتصاد حر، فألغت التعاونيات الزراعية، وأعادت توزيع الأرض على المزارعين، الأمرالذي ساهم بزيادة الإنتاج والتصدير.

وجواباً عن سؤالنا حول تجارب دول أخرى قال: شهدتْ تركيا نقلة نوعية في مطلع الألفية عبر خصخصة الشركات العامة الخاسرة، وتحديث البنية التحتية، ما أدى إلى تدفق رؤوس الأموال الأجنبية، ولاسيما في مجالات الطاقة والعقارات، ومنذ عام 2002 إلى 2013، شهدت تركيا نمواً اقتصادياً متسارعاً بلغ متوسطه نحو 5.5 بالمئة سنوياً.

وبلغ ناتجها المحلي الإجمالي عام 2023 نحو 1.1 تريليون دولار، واستقبلت في 2023، نحو 13 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

وفي مصر، ساهمت الإصلاحات الاقتصادية وتطوير محور قناة السويس في جذب استثمارات كبيرة، خصوصاً من الخليج وأوروبا، ورغم التحديات الاقتصادية والسياسية بلغت نسبة النمو الاقتصادي 5.5 بالمئة في 2022، وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لمصر في 2023 نحو 500 مليار دولار.

رواندا وجورجيا وتشيلي

أما تجربة رواندا فتُعدّ من أنجح النماذج الإفريقية، حيث تحوّلت من بلد خارج من إبادة جماعية إلى واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في إفريقيا، بفضل محاربة الفساد وتحسين بيئة الأعمال.

ومنذ عام 2000، حققت رواندا نمواً اقتصادياً سنوياً بلغ 7-8 بالمئة، وهو واحد من أعلى المعدلات في القارة الأفريقية.

كما اعتمدت جورجيا على تقليص الروتين الإداري، وإصلاح النظام الضريبي، ما جعلها من بين الدول الأعلى جذباً للاستثمارات في أوروبا الشرقية.

وفي 2022، سجلت نمواً اقتصادياً بلغ 10.1بالمئة، رغم التحديات الاقتصادية الإقليمية.

وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لجورجيا حوالي 22.5 مليار دولار في 2023.

وجذبت عام 2022 حوالى 2.5 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، معظمها في القطاع العقاري والطاقة.

وفي أمريكا اللاتينية، شكّلت تشيلي نموذجاً ناجحاً للاستقرار الاقتصادي والشفافية، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لتشيلي في 2023 نحو 317 مليار دولار.

وبلغت الاستثمارات الأجنبية في 2022 نحو 12 مليار دولار، خاصة في قطاع التعدين والطاقة المتجددة.

سنغافورة وماليزيا

وأخيراً.. يمكن ذِكرُ سنغافورة وماليزيا اللتين استطاعتا التحول من دول نامية إلى مراكز اقتصادية إقليمية، من خلال تطوير البنية التحتية، وتقديم حوافز سخية للمستثمرين الأجانب، خاصة في مجالات التكنولوجيا والتصنيع والخدمات اللوجستية.

فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي لسنغافورة في 2023 نحو 455 مليار دولار، وسجلت في 2022 تدفقات استثمارية تجاوزت 10 مليار دولار.

أما في ماليزيا فقد بلغ النمو الاقتصادي نسبة 8.7 في المئة في 2022 بعد تعافيها من تأثيرات جائحة كورونا، وبلغ ناتجها المحلي الإجمالي في 2023 نحو 400 مليار دولار، وزادت الاستثمارات الأجنبية على 10.3 مليار دولار، خصوصاً في مجالات التصنيع والتكنولوجيا.

وختم بالقول: كل الأرقام السابقة تؤكد أن السياسات الاقتصادية الناجحة قادرة على تحويل الأزمات إلى فرص حقيقية للنمو المستدام وجذب الاستثمارات الأجنبية، وبرغم كل التحديات، فإن الفرص في سوريا كبيرة، وما نحتاجه هو رؤية واقعية، وإرادة سياسية، وتعاون بين القطاعين العام والخاص لجعل سوريا أرضاً خصبة للاستثمار والتنمية.

آخر الأخبار
الأسعار.. هل تبقى مستقرة ..؟  زيادة الأجور " للعام " يجب أن تماثلها زيادة في أجور  "الخاص "  رئيس هيئة الطيران المدني يعلن جملة تغييرات جذرية وتوجهات مستقبلية في القطاع  المتحدث باسم إدارة مكافحة المخدرات لـ " الثورة ":خطط ممنهجة وأهداف واضحة لتنظيف سوريا من المخدرات صراع المشاريع بعد الحرب.. ماذا بقي من المواجهة بين إيران وإسرائيل؟ 159 طلباً من مستثمرين لاختيار أمكنة أنشطتهم في "حسياء الصناعية انطلاق الماراثون البرمجي لليافعين في جامعة اللاذقية البنوك المراسلة في الخارج.. خطوة لتسهيل عمليات الاستيراد جرعات تفاؤل في "فود إكسبو 2025" والمنتج السوري بالبصمة العالمية أهالٍ من درعا يقدمون العزاء بضحايا كنيسة مار إلياس دوما تتحرك نحو الإعمار التعليمي " الأوروبي" يطالب بمحاسبة مرتكبي تفجير كنيسة مار إلياس الأسعار الرائجة للعقارات ظلم امتد لكل القطاعات .. إدريس لـ"الثورة": ضاعفت تراخيص البناء والرسوم   الأمم المتحدة: لا مستقبل في سوريا دون محاسبة المخدرات .. الخطر الصامت   أضرار نفسية وجسدية مدمرة ..كيف نتخطاها..؟  حصرياً لـ"الثورة.. من الكبتاغون إلى شراب السعال.. أنس يكشف رحلة السقوط والتعافي مجالس الصلح بريف  حماة.. تسوية النزاعات الأهلية والمجتمعية انقطاعات متكررة في خدمات الاتصالات وADSL في جرمانا إصلاحات ضريبية شاملة  و"المالية" تبدأ العد التنازلي للتنفيذ 165 مستثمراً و32 ينتظرون الترخيص الإداري في "حسياء" اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب تعقد اجتماعاً مع فعاليات حمص