الثورة – فؤاد مسعد:
حراك سينمائي هنا وآخر هناك، يضفي على المشهد نبض حياة، يروي ظمأً ويلبي شغف من أحبّ عوالم الفن السابع بكل ما تعبق به من سحر وإبداع.
ضمن هذا الإطار تأتي عروض “مقهى السينما” التي أقيم أحدثها في فندق “بيك باش” بدمشق القديمة، عُرِضت أربعة أفلام قصيرة لمخرجات تناولن موضوعات تلامس الوجدان، وتحمل حالة من التحدي في عمقها، وجاء فيلمان وثائقيان “حياة، قشرة بصلة” وفيلمان روائيان “غرفة المسدس، على الحافة”.
حياة
حكاية الوجع واحدة في سوريا، مهما اختلفت مسميات الأماكن والأشخاص، هي رؤية قدمها فيلم “حياة” الذي ينطلق من الخاص بكل ما فيه من دفء وبساطة وعفوية وطلاقة، فيورطك لتجد نفسك في خضم حالة عامة تشمل الكثير من الأماكن والمناطق، فقد خرج عن كون أحداثه تدور ضمن أحد أحياء حمص ليروي بين سطوره حكاية وتفاصيل آلام وآمال تتكرر مع كثيرين تجرعوا مرارة التهجير والدمار جراء حرب كانوا الضحية فيها.
“حياة” فيلم وثائقي قصير، سيناريو وإخراج الدكتورة لمى طيارة، تدور أحداثه في حي الخالدية بحمص، نتابع فيه قصة عائلة “حياة” التي
عادت بعد ست سنوات إلى منزلها المدمر، فرممته وسكنت فيه بعد صراع داخلي في اتخاذ قرار العودة، هذه الحكاية التي رصدتها المخرجة خلال زيارتها إلى الجزء المنكوب من المدينة، ربما تُشكل في أحد أوجهها محفّزاً لآخرين كي يعودوا، رغم حجم الدمار الكبير الذي أظهرته كاميرا جالت موثقة ما خلّفته حرب مرت من هنا.
ورافق ذلك حالة من الأمل تجسدت عبر طفلة تلعب على أرجوحتها، فما يعنيها أن تعيش طفولتها وتنظر للمستقبل، وعبر أم فضلّت “إشعال شمعة عوضاً من لعن الظلام”، وأن تنظر إلى الجمال بدلاً من الخراب.
يذكر أن الفيلم شارك في مهرجان “Dispatches of War” بأوكرانيا ضمن قسم الأفلام الوثائقية والصحفية، كما يشارك في المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة بالمهرجان الدولي للسينما والصحراء بآسا الزاك في المغرب.
قشرة بصلة
رصدت المخرجة رغد باش عبر فيلمها الوثائقي “قشرة بصلة” طبيعة عمل حفار القبور، ملقية الضوء على فلسفته لجدلية “الموت والحياة”، محاولة الخروج من شرنقة التعامل مع حالة الموت ضمن إطار مشاعر الحزن والألم والفقد، لتأخذنا إلى مكان آخر مجرّد من الأحاسيس مُظهرة آلية التعامل مع الموتى.
سعت إلى التركيز على الزاوية التي ينظر من خلالها حفار القبور إلى الأمر، في مهنة تحمل من الرهبة الكثير، هذه الرهبة التي أكثر ما تبدت عبر مشهد تجميع العظام داخل “الكيس”، هي دليل على قسوة وضرورة ما يقوم به، مشددة على فكرة أن الإنسان آخرته إلى التراب، وحينها لن ينفعه المال والجاه.
على الحافة
سعت المخرجة رشا ملحم عبر فيلمها الروائي القصير “على الحافة” إلى إظهار ما تعانيه المرأة ضمن مجتمع لا يرحم، مشددة على فكرة القوة الكامنة داخلها، هي قوة تحدي الواقع المؤلم للخروج نحو فضاء الحرية.
“الفتاة” بطلة الفيلم سارت معصوبة العينين على حافة ينبغي ألا تقع عنها لتضمن خلاصها، هذه الحافة التي شكّلت دلالة على حياة كاملة تعيشها بهذه الطريقة وكأنها تسير بين ألغام زرعها
المجتمع تحت عباءة الكثير من المسمّيات، لذلك عليها السير بحذر للوصول إلى النجاة، واستطاعت في الفيلم تجاوز العراقيل كلها بما فيها مراقبة الناس لها و”القيل والقال” والضرب بالحجارة، لتحقق في النهاية انتصارها.
غرفة المسدس
الخوف المزروع في الأعماق تسلل إلى الروح لتبدو هشة بعد حرب دمرت كلّ شيء، هذا الدمار الذي ظهر من المشاهد الأولى ضمن الفيلم الروائي القصير “غرفة المسدس” سيناريو وإخراج عروب المصري، ليعرفنا على مكان سكن الزوجين، حيث لا أمان.
كثيراً ما جاءت حركة الكاميرا مرتبكة تُعبّر عن ارتباك الزوجة وقلقها، وحتى المسدس الذي أحضره الزوج سعياً لإيجاد فسحة من الأمان بات وبالاً، وكان السبب وراء اكتشافها مقبرة
جماعية، حين دفعها الخوف لإطلاق النار، وكأنها تعيش فوق طوفان من الجثث، فأعادت دفنهم متسائلة “كانت
طلقة وحدة فقط، ما بعرف كيف ماتوا كلهم”.. شكّل الفيلم صرخة في وجه المقابر الجماعية، منبهاً لما للخوف من آثار مدمرة.