“لا تدخل مدينة من دون حقيبة ولا تضيّعها فيها، لأنكَ سوف تحتاجها عند الخروج، ولا تبح بأسرارك لمدينة مسيّجة لأنها سوف تسخر منك، ولا تبحث عن مدينة في مدينة فلن تجدها، لا تنسَ لكنتكَ فيها، وليعتد لسانكَ مذاق طعامها قبل لغتها”.. هي فلسفة خاصّة للكاتب المسرحيّ حكيم مرزوقي بعد أن باح للمدائن عن حبّه لها، فكان لأشرفية صحنايا حصّة فيه، سكنها وسكنته.
رحل المرزوقي، وظلّت الأماكن وفيّة له، والدقائق والسّاعات” فطعم الوقت وكما رآه ليس واحداً”.
تخيّلوا معي أنّ لكل مدينة تزورونها حقيبة، ولكل حقيبة سرّها، أشبه بصندوقٍ مغلق له مفتاح، “الضمير” وحكايات لا تصدأ في حياة كل منّا، ومع ذلك نهرب من حقائبنا السوداء التي تخفي الإخفاق والهزائم، فكيف يمكننا أن نفعل في هذا الموقف؟ أنرمي الحقائب؟ أم نعلن حرباً على المفاتيح لتغييرها، كما أعلن الراحل حرباً على الملاعق وانتصر بها! وإنه وكما كتب “أجمل ما في الحرب أن تتوقّف”.
حقائب المرزوقي الملوّنة، فيها حديث الرّوح وتوحّده مع الزوايا في المدن التي زارها، ومنها بلدتي الريفيّة فاحتفظ بصندوقه الأسود بها، وظلّ يكتبُ بحكمة الرائي ويبوح للحقائِب بلغة سرمديّة، بقي كحقلة القمح خيّراً منتظراً موسم الحصاد، وإنْ أثقلَ كاهله.
