المصارف السورية في غيبوبة… فمن يموّل الاستثمارات؟

الثورة – جاك وهبه:

بعد سنوات من الحصار الاقتصادي والتراجع الحاد في النشاط المالي، ومع بدء ظهور بوادر انفراج سياسي تجلّى في رفع بعض العقوبات الدولية.
تعود الأنظار لتتجه مجدداً نحو القطاع المصرفي السوري: هل هو مستعد لاستقبال الاستثمارات؟، وهل يمكن أن يلعب دوراً محورياً في إعادة إعمار الاقتصاد الوطني؟ وهل تملك المصارف السورية المقومات الفنية والتشغيلية التي تمكّنها من مواكبة المتغيرات والتحولات الاقتصادية المتسارعة في الداخل والخارج؟

في الوقت الذي تسعى فيه سوريا لجذب رؤوس أموال واستعادة علاقاتها المالية مع العالم، تبرز الحاجة الماسّة إلى قطاع مصرفي موثوق، حديث، وقادر على توفير التمويل اللازم لتحريك عجلة الإنتاج، لكن التحديات كبيرة، والمعوقات بنيوية ومتراكمة، بدءاً من غياب التحديث التقني، مروراً بضعف السيولة، وصولاً إلى تراجع ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، ترى.. يمكن أن يشكّل تخفيف العقوبات فرصة لإعادة تموضع المصارف السورية كلاعب فاعل في التنمية؟

الخبير في الشؤون الاقتصادية عبد العظيم المغربل أوضح في تصريح خاص لصحيفة الثورة أن القطاع المصرفي السوري حالياً لا يمتلك القدرة الكافية لتمويل المشاريع الإنتاجية الكبرى، إلا أن رفع العقوبات يتيح فرصاً جديدة من خلال تحرير الأصول المجمدة وتحسين مستوى السيولة في السوق المالية، وشدد على أن ذلك يتطلب إجراء إصلاحات داخلية تشمل تعزيز الكفاءة والشفافية، إضافة إلى ضرورة تحديث السياسات الائتمانية بما يتلاءم مع متطلبات المستثمرين واحتياجات المشاريع الإنتاجية.

وأشار المغربل إلى أن استعادة الثقة بالقطاع المصرفي المحلي تُعدّ من العوامل الأساسية لجذب الاستثمارات، سواء من المستثمرين المحليين أو الأجانب، حيث يعتمد هؤلاء على وجود نظام مالي موثوق وآمن، مؤكداً أن الأولويات العاجلة تشمل تعزيز الشفافية، وتحسين الحوكمة، وتحديث البنية التحتية التقنية، إلى جانب تطوير السياسات الائتمانية لتكون أكثر مرونة ومناسبة لاحتياجات السوق الحالية.

تحديث بنيتها

كما بين أن على المصارف السورية تحديث بنيتها التحتية التقنية، والامتثال للمعايير الدولية المتعلقة بمكافحة غسل الأموال، وتعزيز مبدأي الشفافية والحوكمة، مشدداً على أهمية البدء بالتجهيزات اللازمة لإعادة ربط هذه المصارف بنظام “سويفت” العالمي، وأكد أن هذه الخطوات من شأنها أن تعزز ثقة المستثمرين الأجانب، وتفتح الباب أمام تدفق رؤوس الأموال إلى الداخل السوري.

وقدر المغربل أن سوريا بحاجة إلى تمويل استثماري يتجاوز 200 إلى 250 مليار دولار لتنشيط الاقتصاد المحلي ودفع عجلة التنمية، وأوضح أن المصارف السورية لن تتمكن إلا من تغطية جزء صغير جداً من هذا العجز، من خلال تقديم تسهيلات ائتمانية ميسّرة، وخصوصاً للمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، والتي تشكل حجر الأساس في بناء قاعدة اقتصادية مستدامة.

في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن القطاع المصرفي في سوريا يُعد من الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني، ويضم طيفاً واسعاً من المصارف الحكومية والخاصة والإسلامية، التي تسعى لتقديم خدمات مالية متنوعة للمواطنين والمستثمرين.

وبحسب تقرير نشره موقع الجزيرة نت بتاريخ 20 أذار 2025، يبلغ عدد المصارف العاملة في سوريا 21 مصرفاً، من بينها ستة مصارف حكومية وخمسة عشر مصرفاً خاصاً وإسلامياً، وقد بدأت المصارف الخاصة بالدخول إلى السوق السورية منذ عام 2004، وتوسعت لاحقاً لتشمل مصارف تعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية.

وتُعنى المصارف الحكومية بتمويل قطاعات حيوية مثل الصناعة والزراعة والإسكان، وتقدم القروض والخدمات المصرفية الأساسية، أما المصارف الخاصة والإسلامية، فقد سعت إلى تقديم خدمات مصرفية منافسة رغم الظروف الصعبة، ومع ذلك، يظل الدور الذي تؤديه هذه المصارف في تمويل المشاريع الإنتاجية الكبرى محدوداً نتيجة العقوبات السابقة، وضعف رأس المال، وانخفاض مستوى الودائع.

وتشير بيانات مصرف سوريا المركزي لعام 2024 إلى أن هناك تراجعاً في القروض الإنتاجية مقارنة بالتسهيلات الاستهلاكية، ما يجعل الحاجة إلى إصلاحات هيكلية شاملة أمراً ملحاً من أجل تفعيل دور هذه المؤسسات في دعم الاقتصاد الوطني.

ختاماً، يبدو أن المصارف السورية أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء دورها التنموي والمالي، غير أن الطريق نحو جذب الاستثمارات يحتاج إلى خطوات جدية في الإصلاح والتحديث، وإعادة بناء الثقة محلياً ودولياً.

آخر الأخبار
ثلاث منظومات طاقة لآبار مياه الشرب بريف حماة الجنوبي الفن التشكيلي يعيد "روح المكان" لحمص بعد التحرير دراسة هندسية لترميم وتأهيل المواقع الأثرية بحمص الاقتصاد الإسلامي المعاصر في ندوة بدرعا سوريا توقّع اتفاقية استراتيجية مع "موانئ دبي العالمية" لتطوير ميناء طرطوس "صندوق الخدمة".. مبادرة محلية تعيد الحياة إلى المدن المتضررة شمال سوريا معرض الصناعات التجميلية.. إقبال وتسويق مباشر للمنتج السوري تحسين الواقع البيئي في جرمانا لكل طالب حقه الكامل.. التربية تناقش مع موجهيها آلية تصحيح الثانوية تعزيز الإصلاحات المالية.. خطوة نحو مواجهة أزمة السيولة تعزيز الشراكة التربوية مع بعثة الاتحاد الأوروبي لتطوير التعليم حرائق اللاذقية تلتهم عشرات آلاف الدونمات.. و"SAMS" تطلق استجابة طارئة بالتعاون مع شركائها تصحيح المسار خطوة البداية.. ذوو الإعاقة تحت مجهر سوق العمل الخاص "برداً وسلاماً".. من حمص لدعم الدفاع المدني والمتضررين من الحرائق تأهيل بئرين لمياه الشرب في المتاعية وإزالة 13 تعدياً باليادودة "سكر مسكنة".. بين أنقاض الحرب وشبهات الاستثمار "أهل الخير".. تنير شوارع خان أرنبة في القنيطرة  "امتحانات اللاذقية" تنهي تنتيج أولى المواد الامتحانية للتعليم الأساسي أكرم الأحمد: المغتربون ثروة سوريا المهاجر ومفتاح نهضتها جيل التكنولوجيا.. من يربّي أبناءنا اليوم؟