نداءات من داخل جدران العلم معلمو طرطوس: نحن منهكون مادياً ونفسياً في مدارس تفتقر لمقومات التعليم.. و”التربية” ترد

الثورة _ علا محمد:

داخل كل مدرسةٍ من مدارس طرطوس، تتصاعد أصواتٌ تنادي بصمتٍ محبط، أصواتٌ تعبر عن آلامٍ عميقة وتطلعاتٍ متهالكة، معلمون يحملون في صدورهم المعاناة والأمل، يدافعون عن رسالةٍ أسمى، ويكافحون من أجل غدٍ أفضل لوطنٍ يعاني من تدهورٍ في منظومته التعليمية.

من قلب الواقع نسمع اليوم نداءاتهم التي تتردد بين جدران المدرسة وأروقتها، لنرفع الستار عن معاناتهم ونكون صوتهم الذي يطالب بالتغيير، لعلّ التعليم يعود إلى مساره الصحيح.

” الشكوى تجرجرنا إلى التحقيق” .. هكذا بدأت المعلمة ثراء سليمان حديثها وهي تندب كرامة المهنة وتشير بمرارةٍ إلى ظاهرةٍ متفاقمة، تقول: “أصبح الأهالي لا ينفكون عن التهديد بتقديم الشكاوى حتى لأتفه الأسباب ما يخلق حالةً من القلق الدائم لدى المعلم، حتى وإن كان على حق”.

تؤكد ثراء أن الشكوى بحد ذاتها باتت تضع المعلم تحت طائلة المساءلة وقد تجره إلى دوائر التحقيق والرقابة، ما يخلق بيئة عمل متوترة تهدد هيبة المعلم وتقلل من احترامه داخل المجتمع.

هذا ما يؤكده أيضاً المعلم عبد الكريم أسعد الذي يشدد على ضرورة صون هيبة المعلم وشرفه المهني، ليس فقط معنوياً بل مادياً أيضاً، مشيراً إلى أن أغلب المعلمين مضطرون للعمل بعد دوامهم الرسمي في المتاجر أو إعطاء الدروس الخصوصية نتيجة تدني الرواتب، ما ينعكس سلباً على صحتهم وأدائهم.

“راتب لا يكفي لثلاثة أيام”

في زاوية أخرى من المعاناة، تشتكي المعلمة غنى خليل من واقع الراتب المؤلم ” كيف لمعلمٍ أن يتحمل أعباء التصحيح أو التنقل في حين إن راتبه لا يكفي قوت ثلاثة أيام”.

وتضيف “الخليل” أن المبالغ المالية التي تصرف كمكافآت تصحيح لا تسلم إلا بعد أشهر طويلة بسبب الروتين الإداري، ما يدفع المعلم لتحمل التكاليف من جيبه، في انتظار “أمل” التعويض لاحقاً.

في هذا السياق يتفق المعلمون والموجهون على أن معظم التكاليف المتعلقة بالمهام الإضافية – من تصحيح ومراقبة وتنقل – تقع على كاهلهم دون أي تعويضات تُذكر، ما يعمق الفجوة بين الجهد المبذول والحقوق المستحقة.

العديد من المدارس، وفق المعلمين، تعتمد على دعم المجتمع المحلي لإصلاح الأعطال والمرافق التالفة، وفي مشهدٍ آخر بحسب المعلم عبد الكريم يضطر مدير المدرسة أو من ينوب عنه إلى جمع ثمن أوراق الامتحانات والمذاكرات من الطلاب لعدم قدرته على تحمل التكلفة وحده.

“صورةٌ محزنة لمؤسسةٍ يفترض أن تكون في طليعة البناء الوطني، لكنها تكافح للبقاء على قيد الحياة بإمكانياتٍ ضئيلة”، قالت المعلمة شذى.

عبء التنقل

تشكو المعلمتان رشا كابر وإنصاف حسن من صعوبات الوصول إلى المدرسة فتقولان: “نقطع قرىً بأكملها، مسافات طويلة سيراً أو ننتظر حتى نجد سيارة، وإذا لم يكن عدد الركاب كافياً، يرفض السائقون العودة بنا”.

وتتابعان: “ثلث راتبنا يضيع على أجور الطرقات، ونحن نحضر لأربعة صفوف مختلفة، في حين إن من يحضر لصف واحد يستفيد من التكرار، بينما نحن ننهك أنفسنا جسدياً وذهنياً”.

تطالب المعلمتان بتخفيض النصاب “أو على الأقل تقريب مكان العمل من سكن المعلمين لتقليل الضغط النفسي والجسدي الناتج عن بعد المدارس وسوء المواصلات”.

ظروف التصحيح.. فوارق ومطالب

يتحدث موجه اللغة العربية أمير محمد لـ”الثورة” عن التحديات المرتبطة بمهام التصحيح والمراقبة، مطالباً ببطاقة تعريفية للمكلفين بهذه المهام و”مكافآت مالية تحفيزية للمدرس المثالي الذي لا يتغيب طيلة العام الدراسي”.

أما المعلمة نجوى محمد فتشير إلى ضرورة إعفاء المعلمين الذين تجاوزوا الخمسين من عمرهم من مهام المراقبة والتصحيح، تقديراً لجهودهم وحفاظاً على صحتهم.

وفي سياق متصل، تقترح المعلمة ميال ابراهيم إعادة النظر في آلية التصحيح قائلةً: “لماذا لا تصحح الأوراق الامتحانية في المجمعات القريبة بدلاً من المدينة”؟ وبرأيها إن ذلك يوفر عناء السفر على المعلمين كما يوفر على الوزارة نفقات نقلهم التي يمكن استخدامها بدلاً من ذلك في زيادة أجورهم.

المعلمة ميال كذلك تثير نقطة هامة تتعلق بالفروق الكبيرة في أجور تصحيح المواد قائلة: “لا يعقل أن يكون تصحيح مادة الفلسفة أو التربية الإسلامية أقل بكثير من مادة اللغة العربية، رغم المجهود المكافئ”.

الكتب المدرسية.. أزمةٌ صامتة

في موضوعٍ آخر تسلط المعلمة سها محمد الضوء على أزمةٍ شديدة الأثر، وهي صعوبة تأمين نسخ حديثة – أو حتى مستعملة – من كتب الطالب وتوضح: “عانى كثير من طلابنا هذا العام من غياب الكتاب، وهناك من قضى عاماً كاملاً دون أن يحصل على نسخة، وبعض الصفوف شهدت وجود نسختين مختلفتين من الكتاب نفسه في العام ذاته”.

وعبرت المعلمة عن تمنيها في أن تكون هذه الأزمة في عامها الأخير، وأن يتوفر الكتاب لجميع الطلاب.

خدمات المدارس تثير القلق

أكد الموجه أمير محمد لـ”الثورة” أن العديد من المدارس لا تزال تعاني من مشاكل كبيرة في صيانتها وخدماتها الأساسية، حيث تعرضت بعض المدارس لتكسير زجاج نوافذها وأبوابها.

وأضاف الموجه: “ما زالت تلك الأضرار دون إصلاح، ما يعرض الطلاب والمعلمين لمخاطر مستمرة، كما أشار إلى أن أسطح بعض المدارس تحمل عشرات المقاعد التي أكلها الصدأ ولا تزال على حالها”.

“وتفتقر العديد من المدارس إلى مقاعد صالحة للطلاب، وطاولات مناسبة للمعلمين، ما يعمق حالة الإهمال والتدهور في البنية التحتية التعليمية”، بحسب “المحمد”.

وتساءل معلم رفض الكشف عن هويته: “كيف تطالبوننا بجودة تعليم، ونحن منهكون مادياً ونفسياً؟ كيف لنا أن نرسم صورة مثالية للمدرسة إذ كانت تفتقر إلى الموارد والكتاب والكرامة”؟.

“التربية” ترد..
في الوقت الذي يعبّر فيه المعلمون عن آلامهم وتحدياتهم، جاءت ردود وزارة التربية لتعكس اهتمامها والتزامها بتحسين الوضع التعليمي.

وصرح مدير تربية طرطوس مهند عبد الرحمن لصحيفة “الثورة” بأن “عدداً من المدارس لم تلقّ خدمات الصيانة والمعالجة خلال الفترات السابقة، بسبب ضعف الميزانية الاستثمارية المخصصة لهذا القطاع الحيوي”.

وأضاف: “تجاوباً مع هذه الحاجة الملحة تم تشكيل لجنة مختصة لإجراء دراسة إحصائية دقيقة تُعنى بتحديد المدارس التي تعاني من نقص في الخدمات، ووضع خطة عمل لإصلاحها”.

وأوضح عبد الرحمن أنه تم رفع نتائج الإحصاء إلى وزارة التربية، التي بدورها وافقت على الميزانية الاستثمارية الجديدة، مؤكداً أن أعمال الصيانة ستنطلق خلال الأيام القليلة القادمة، وفق خطة مدروسة تهدف إلى تحسين بيئة التعليم وتوفير بنى تحتية مناسبة للطلاب والمعلمين على حد سواء.

من جهته، أكد مدير التعليم في وزارة التربية محمد سائد قدور في تصريح خاص لـ”الثورة” أن الوزارة تبذل جهوداً كبيرة لتحسين واقع التعليم في سوريا، مشيراً إلى أنها وضعت خطة استجابة سريعة إلى جانب مسار استراتيجي بعيد المدى يستهدف كل عناصر العملية التعليمية، من المعلم وحقوقه، إلى الطالب واحتياجاته، مروراً بالأبنية المدرسية والمناهج التعليمية.

قدور أوضح أن “بعض الملفات الإدارية تحتاج إلى تفعيل ومتابعة، مثل موضوع المهمات الذي يوجد أصلاً ضمن النظام الإداري، لكنه لا يُطبق بالشكل المطلوب في بعض الحالات، موكداً إيجابية إعادة تنشيطه لما له من أثر في تنظيم العمل وضبط الأداء”.

الإجازة الصحية.. حق يحتاج إلى تنظيم

وحول الجدل الدائر بخصوص الإجازات الصحية، بيّن قدور أن هذه الإجازات حقّ قانوني ومأجور للمدرس، غير أن بعض المناطق التي لم تُنظّم إدارياً بشكل كامل تعاني من تأخير أو عدم تطبيق هذا الحق.

وأشار إلى أن هناك حاجة لضبط منح الإجازات الصحية، نظراً لاستخدام بعض المعلمين لها كوسيلة للتهرب من الدوام، ما يضرّ بسير العملية التعليمية.

نحو حل جذري

في ما يتعلق بأزمة تأمين الكتب المدرسية، فقد أوضح قدور أن المؤسسة المختصة تقوم برصد الاحتياجات وتطبع الكميات المطلوبة بناءً على ذلك، لكن وجود خمسة مناهج تعليمية مختلفة حالياً في سوريا يساهم في تشتت الجهود وظهور مشاكل في التوزيع.

ومع العمل على توحيد المناهج قريباً، من المتوقع أن تنتهي هذه الإشكالية، ويصبح من السهل تأمين الكتب لكل الطلاب دون استثناء. بدوره، أكّد مدير الامتحانات في وزارة التربية محمود حبوب لـ”الثورة” أن الوزارة تضع جودة العملية الامتحانية ضمن أولوياتها، ولهذا فإن اقتراح تصحيح الأوراق الامتحانية في المجمعات بدلاً من المدن الكبرى غير ممكن، نظراً لما قد يسببه من تشتيت للعملية الامتحانية وضعف في الرقابة والتدقيق، ما يؤثر سلباً على مصداقية النتائج.

وفيما يخصّ الفروقات في أجور تصحيح المواد الدراسية، أوضح حبوب أن “السبب يعود إلى الوزن النسبي للمادة، ومدى الجهد والزمن اللازم لتصحيحها”، مضيفاً: “مادة اللغة العربية، على سبيل المثال، تتطلب وقتاً وجهداً أكبر من غيرها، لذا فإن أجورها أعلى من أجور تصحيح مواد كالفلسفة أو التربية الإسلامية”.

أولوية مطروحة على الطاولة

خلال حديثه، كشف حبوب أن “تحسين الوضع المادي للمعلم يُعتبر من أولى أولويات الوزارة”، مشيراً إلى إعداد دراسة بهذا الشأن، وأنها “رُفعت كمقترح إلى الجهات المعنية”، كما لفت إلى أن التعويضات الامتحانية قيد المراجعة، بهدف رفعها بما يتناسب مع الجهد المبذول.

واعتبر حبوب أن نجاح العملية الامتحانية هو “مسؤولية جماعية”، تبدأ من أعلى مستويات الوزارة وحتى أصغر موظف في الميدان، مشيراً إلى أن نظام العمل يسمح بمعالجة الحالات الاستثنائية وفق الأنظمة، ويأخذ بعين الاعتبار تباين القدرات بين المعلمين الجدد وأصحاب الخبرة، “إذ أنه من المهم الاستفادة من خبرة القدامى، مع

اتخاذ الإجراءات المناسبة عند عدم قدرة أي موظف على أداء مهامه بالشكل المطلوب”.

وتبقى هموم المعلم وأوجاع المدرسة السورية في صدارة النقاشات التربوية، لكن الأمل قائم مع خطوات الوزارة الأخيرة باتجاه التغيير، بدءاً من معالجة البنية التحتية، وتحسين الأجور، وتطوير المناهج، وصولاً إلى تنظيم العمل الإداري وضبط الحقوق، ومع تفعيل الخطط المعلنة ومتابعة تنفيذها على أرض الواقع، قد تشهد العملية التعليمية انفراجاً تدريجياً، يعيد للمدرسة مكانتها، وللمعلم كرامته، وللطالب حقّه في تعليم يليق بمستقبل وطنه.

آخر الأخبار
تغذية كهربائية للمستثمرين في "حسياء" استئناف العمل في أبراج ضاحية الوفاء بحماة وعود بلا حلول!! أزمة مياه خانقة بحي "الشرقطتلي" في سبينة دعم المستشفيات التعليمية مع منظمة الصحة العالمية باراك: سوريا أصبحت الآن مفتوحة أمام عالم الأعمال الباحثة الكردي لـ"الثورة": اتفاقية الطاقة تفتح باب الاستثمار وتعيد دوران العجلة الاقتصادية م. أبو دي لـ"الثورة": القدرة التوليدية سترتفع إلى 9000 ميغاواط بدء مهام وحدة تنسيق ثلاثية (تركية - سورية - أردنية) في سوريا لمكافحة داعش ماذا يعني توقيع مذكرة تفاهم استراتيجية بين وزارة الطاقة ومجموعة UCC العالمية.. المولوي لـ"الثورة": اتفاق الكهرباء يحسن تنافسية المنتج السوري ما مستقبل الموارد السورية في مناطق "قسد"؟ حصاد مياه الجريان السطحي والأمطار بحمص اتحاد الصحفيين ينظم ورشة عمل للصحافة الاستقصائية تعزيزاً للعلاقات بين البلدين.. مذكرة تفاهم بين "تجارة ريف دمشق" و"صناعة الأردن شراكة استراتيجية مع تركيا لتطوير قطاع السيارات تكامل اقتصادي واعد بين سوريا والأردن كسوة العيد تنهك الجيوب.. سليمان لـ"الثورة": توفير السيولة لتحريك السوق حين يعودون إلى الديار... وتنتظرهم الذكريات تحت الركام تجديد توءمة حلب وغازي عنتاب: تعاون تنموي وثقافي بعد قطيعة 13 عاماً بعد رفع القيود.. هل ستستخدم أوكرانيا أسلحة جديدة ضد أهداف داخل روسيا؟