الثورة – سمر حمامة:
في ظلّ ارتفاع الأسعار وتدهور الأوضاع الاقتصادية في سوريا، نتيجة تداعيات الحرب الجائرة التي أثرت سلباً على الواقع المعيشي، بات المواطن يواجه تحدياً يومياً لتأمين لقمة عيشه.. فقد تحولت الاحتياجات الأساسية من طعام وشراب ودواء إلى أحلام صعبة المنال، وأصبحت طموحات الأطفال في قطعة حلوى أو طبق لحم ترفاً لا يقدر عليه معظم أرباب الأسر.
الواقع الاقتصادي المأزوم ترك آثاراً عميقة في حياة السوريين، وانعكس بشكل مباشر على الصحة النفسية والجسدية للأفراد، ولاسيما أولئك الذين ينتمون لذوي الدخل المحدود، والذين باتوا يعيشون حالة من القلق والعجز الدائم.
الغياب ووجع البطون
مع غياب الدعم الحقيقي وارتفاع الأسعار، تقلصت الموائد السورية من عامرة بالأساسيات إلى شبه خالية.. الأرز، والسكر، والزيت، والخبز، وحتى الخضراوات أصبحت مواد تُشترى بالحساب، وغالباً ما تُستبعد من قائمة المشتريات الشهرية بسبب محدودية الدخل، هذه الظروف القاسية فرضت واقعاً غذائياً هشاً أدى إلى انتشار سوء التغذية، خاصة بين الأطفال وكبار السن.
أم ليث- ربة منزل، 45 عاماً، ذكرت بألم: “كيف كان ابنها يطلب الدجاج، فيما لم يأكلوه منذ شهرين، كون الراتب لا يكفي لأسبوع، وقالت: نحاول تأمين الخبز وبعض المتطلبات الاساسية فقط، فيما اللحمة باتت بالمناسبات.
وعبر أبو أحمد- موظف حكومي، 52 عاماً/ عن حاله بالقول: أقبض راتب 300 ألف، وأحتاج إلى مليون ونصف على الأقل بالشهر كي نعيش، عندي ثلاثة أولاد في المدرسة، كيف أؤمن لهم حاجات المدرسة والطعام والمواصلات؟ أحياناً تقتصر وجبة الغداء على خبز وزيتون، وإذا مرض أحدنا لا نعرف كيف نؤمن حق الدواء.
خلود- طالبة جامعية، 21 عاماً، تعمل أمها بمشغل للخياطة وووالدها مريض، وهي تدرس، وبالرغم من ذلك يعانون من ديون كثيرة لأصحاب المحال الغذائية.. تحلم وأهلها بيوم يأكلون فيه اللحمة أو حتى بعض الفاكهة، فيما الحلويات باتت من الكماليات، مبينة أنهم يتناولون وجبة واحدة في اليوم.
أما زياد- سائق سرفيس، 38 عاماُ، والذي يعمل كل يوم 12 ساعة، أوضح أن الحاجات اليومية في حدها الأدنى، وأن حياته صارت كسباق على اللقمة، فهو يسكن بالآجار وهو الذي يستنزف تعبه اليومي.
هناء- موظفة في شركة خاصة، 30 عاماً، عبرت عن رأيها بالقول: مصروف الخبز والغاز والمواصلات تستهلك راتبي، وحين يطلب أولادي الحليب أو البسكويت، فإن قلبي ينكسر، لأني عاجزة عن شراء ما يطلبون، لا أعرف ماذا أفعل وكيف يمكن تأمين متطلبات الحياة في ظل الوضع الاقتصادي المتردي.
أبو ياسر- متقاعد، 65 عاماً: “أنا عايش على راتب تقاعدي زهيد، أشتري دواء الضغط والسكر، اعتمد على وجبة واحدة ،حتى أستطيع الوصول إلى أخر الشهر دون ان أستدين من أحد، صار الجوع رفيقنا اليومي، “وما حدا سائل فينا”.
السلع الأساسية التي كانت تُعتبر ضرورية قبل سنوات أصبحت اليوم من الكماليات، اللحوم، الأجبان، الفواكه، وحتى الحليب للأطفال، بات المواطن السوري يستغني عنها أو يبحث عن بدائل أقل جودة، أصبح المشهد الطبيعي للأسرة السورية هو موائد مقتصدة جداً، تتكرر فيها الأطباق البسيطة مثل العدس والبرغل والبطاطا، في حين غابت البروتينات الحيوانية والخضار الطازجة عن النظام الغذائي اليومي.
الآثار الصحية والنفسية
يؤكد الدكتور تيسير الصالح لـ”الثورة” أن نقص العناصر الغذائية الأساسية يؤدي إلى انتشار أمراض مثل فقر الدم، الضعف العام، وتساقط الشعر، خاصة بين الأطفال والنساء، من جهة أخرى انعكست الأزمة الاقتصادية على الصحة النفسية، إذ ازدادت معدلات القلق والاكتئاب والشعور بالعجز، ولاسيما بين أرباب الأسر الذين يشعرون بالفشل والعجز أمام احتياجات أطفالهم.
أوضح أن المواطن المواطن السوري اليوم لا يبحث عن رفاهية، بل عن حد الكفاف.. تأمين الغذاء، والدواء، والتعليم، والكهرباء، والماء أصبح أقصى الطموحات، لا بدّ من ضبط الأسعار، ودعم السلع الأساسية بفعالية، ومحاربة الاحتكار والفساد، وخلق فرص عمل حقيقية، وإعادة بناء شبكة الحماية الاجتماعية.
في بلد أنهكته الأزمات، لم يعد الجوع مجرد حالة طارئة، بل هو واقع يومي تعيشه شريحة واسعة من السوريين، المواطن لا يطلب المستحيل، فقط أن يتمكن من إطعام أطفاله، وتظل جيوب الفقراء الفارغة تتحدث عن وجع بطونهم، وعن موائد لم تعد تعرف طعم الحياة.