الثورة – نيفين أحمد:
لم تعد الخلافات وحدها تهدد كيان الأسرة، بل إن الصمت المطبق وغياب التواصل اليومي أصبحا مقدمة لتفكك داخلي صامت.
أصبح لكل فرد عالم رقمي خاص، بينما فقدت الأسرة أبسط أدواتها في التقارب من الحديث والنظر والاهتمام، لأنه حين يغيب الإصغاء من الأهل يبحث الأبناء عن بدائل قد تكون مضرة.
وللتوسع أكثر بهذا الجانب أجرت صحيفة الثورة حواراً مع الباحثة وصال العلي، لافتة إلى أن الحوار مع الأبناء هو جزء من التعليم الأساسي الذي يجب أن يتلقاه كل إنسان من خلال تبادل الأفكار والآراء من خلال الحوار الهادئ المحترم الذي يهدف للتفاهم لتقوية العلاقات الأسرية، وبالتالي إلى خلق الألفة والتواصل وتجنب جعل الأبناء يشعرون بالضيق.
وأكدت أنه في حال عدم التحدث إليهم قد يتعرض الطفل للتوحد وعدم القدرة على التواصل، لذلك يجب على الوالدين قضاء المزيد من الوقت مع الأبناء والانخراط في أنشطة مهمة وممتعة إليهم من خلال أيضا الاستماع لهم الإنصات لهم عدم مقاطعتهم والسماح لهم عن التعبير عن مشاعرهم عن عواطفهم الاهتمام بهم وبأحاديثهم لاسيما تقبل الاختلاف إضافة إلى التشجيع والتعزيز وعدم الاستهزاء بهم.
لا يقل أهمية عن القراءة والكتابة
وشددت العلي على أن الحوار هو أساس العلاقات الأسرية المتينة القائمة على المحبة والتفاهم والاحترام مما يعزز الثقة بأنفسهم والدعم ومساعدة الأبناء على حل مشكلاتهم ومعالجة الخلافات والسلوكيات غير المرغوبة.
ما هي الأسباب الرئيسية لغياب الحوار بين أفراد الأسرة في رأيك تشير الاختصاصية إلى أن هناك أسباباً كثيرة أولها أسلوب تربية الوالدين الخاطئة من حب التسلط من قبل الأهل وضعف ثقافتهم عدم إدراكهم للخصائص العمرية بكل مرحلة.
وأضافت: المعاملة القاسية الإساءة اللفظية لهم والتنشئة الاجتماعية السلبية الذي يؤدي إلى ضياع الأبناء وفشلهم وتعرضهم للمشكلات النفسية والانحرافات السلوكية والفكرية والأخلاقية.
وتتابع الأهم من ذلك هو الانشغال بالتكنولوجيا، حيث تعد ضغوط الحياة والعمل لا تسمح بالوقت الكافي للجلوس مع ابنائهم والاستماع لهم والإنصات لهم، لافتة إلى أن كثرة الأوامر والنقد يضعف العلاقة الأسرية ويتشكل لدى الأبناء شعور الخوف من ردة الفعل.
علاقات تحتضر
وعن دور الوالدين في تعزيز أو إضعاف الحوار على الأسرة تشير الاختصاصية إلى أن للوالدين دورا أساسيا ومهما في تعزيز الحوار داخل الاسرة وعلى بناء العلاقات المتينة داخل الأسرة ذلك من خلال خلق جو من الأمان والاطمئنان، الجو الهادئ البعيد عن المشاحنات إضافة إلى الاستماع الفعال والتشجيع للتعبير عن الرأي واحترام تبادل الآراء ما يعزز الحوار داخل الأسرة مما يزيد الثقة بالنفس لديهم.
وحول الأسباب التي تضعف الحوار، تشير العلي إلى أن هناك أسباباً كثيرة أهمها هو الصراخ عليهم والعقاب والتهكم والسخرية عدم تخصيص وقت كاف للحديث معهم والانشغال الدائم عنهم وعدم وجود جلسات عائلية.
قبل أن تُطفئها الشاشات
وأكدت العلي أن الوالدين هما من يزرعان الحب والاحترام وهما اللذان يعملانن على نمو العلاقات بشكل متين لكن بنفس الوقت هما من يضعفان الحوار، وذلك عندما يكون الوقت في التواصل قليلا لا يستمعون إليهم لا يقدرون آراءهم ويتجاهلون الجوانب الحساسة التي قد يطرحها الأبناء، وهذا أمر مهم للغاية، فإذا لم يتفهم الأهل أساليب الحوار والإصغاء لهم والاستماع لهم ومساعدتهم على حل المشاكل فسوف يذهبون إلى مصادر أخرى غير موثوقة، وبالتالي يؤثر على نشأتهم ويجعلهم عرضة لرفاق السوء.
ورداً على سؤالنا هل التكنولوجيا أثرت سلباً على التواصل الأسري؟.. تؤكد العلي أن للتكنولوجيا دوراً كبيراً بالتواصل الأسري حيث ساهمت بفقدان التواصل وعزلة كاملة للعالم الافتراضي مما زاد البعد بين الأفراد.
وأوضحت أن الإفراط في استخدام التكنولوجيا يؤدي إلى الإدمان ويعمل على تشتت الانتباه، والتقصير الدراسي والحل برأي الاختصاصية هو التقليل من تكرارها والاندماج بأنشطة خارجية ممتعة واستخدامها بطريقة إيجابية كتقريب صلة الرحم مثل إجراء مكالمة فيديو مع قريب.
وتنصح الاختصاصية الأبناء أن يكونوا صريحين مع الأهل أن يستمعوا لهم بقلوب مفتوحة وأن يختاروا الوقت المناسب للتعبير عن مشاعرهم، أن يتجنبوا العناد والصراخ ويبحثوا عن الحلول لمشكلاتهم معاً، وضرورة تبادل الآراء واحترامها وتخصيص وقت للجلسات.

عوائق نفسية
وعن العوائق النفسية أو الثقافية التي تمنع أفراد الأسرة من الحوار، بينت العلي أن هناك الكثير من العوائق النفسية والعوائق الثقافية، ألا وهي الصحة النفسية للأسرة لها أهمية كبيرة في بناء شخصية الطفل، وأن الاسرة القوية تؤدي الى مجتمع متماسك والعكس صحيح، إضافة إلى التفكك الاسري والخجل والخوف وشعور الابن بعدم الأهمية من خلال شعوره بأنه شخص مهمش.
أما بالنسبة للعوائق الثقافية هي التمييز بين الأبناء والتربية على الطاعة الزائدة والسخرية من الآراء لاسيما غياب ثقافة الحوار وله تأثير سلبي على التربية.
وفي إطار غياب الحوار الأسري يؤدي إلى ضعف الثقة بين الأفراد، تجزم الاختصاصية أن غياب الحوار يؤدي إلى ضعف الثقة ويعد سبباً رئيسياً في ضياع الأبناء وفشلهم، ولكي نعيد الحوار لابد من تربية الابناء على القيم الصحيحة المرتبطة بالدين واحترام الاختلاف.
وبينت أن ضعف التواصل له أسباب عديدة منها عدم تعود الأهل على قيام التواصل وغياب الوقت وتأثير التكنولوجيا والإدمان عليها كل هذا يضعف الحوار لذلك يجب علينا إيجاد الحلول.
وتشير إلى أنه على الرغم من مساوئ التكنولوجيا إلا أن لها فوائد، ولا يمكن الاستغناء عنها لكن علينا أن نعرف ما هي إيجابياتها وما هي سلبياتها، وما هو الوقت المناسب لاستخدامها، فنحن أمام التفجر المعرفي وعلينا مواكبة هذا التفجر ومواكبة هذه الثورة التقنية لكن بحكمة ومراقبة من الأهل.
ختاماً تشير العلي إلى أن الحوار الأسري ليس رفاهية بل ضرورة وجودية لبناء أسرة متوازنة محبة وآمنة، لنصغي قبل أن يُفقد الأبناء صوتهم ولنتحدث قبل أن نندم على الصمت.