أحمد نور الرسلان – كاتب صحفي
خص رئيس الجمهورية السيد “أحمد الشرع” محافظة درعا، مهد الثورة السورية، في أول زيارة رسمية له إلى المدينة منذ توليه منصب الرئاسة بعد سقوط نظام بشار الأسد، في أول أيام عيد الأضحى المبارك، وشكّلت الزيارة، التي استهلها من دار المحافظة قبل أن ينتقل إلى الجامع العمري في درعا البلد، محطة رمزية عالية الدلالة في الوعي الشعبي والسياسي السوري.
رافق الرئيس “الشرع” وفد رسمي رفيع المستوى ضم وزير الداخلية أنس خطاب وعدداً من المسؤولين في الحكومة الجديدة، وكان في استقباله عدد من وجهاء المدينة وشخصيات محلية من مختلف الفعاليات الاجتماعية والمدنية، ودلت الزيارة على أهمية محافظة درعا ودورها الرمزي في كونها منطلق ثورة السوريين التي أفضت لسقوط حكم نظام الأسد.
ولـ “الجامع العمري” رمزية كبيرة في قلب درعا وقلوب السوريين ككل، إذ يُعد أحد أقدم المساجد في سوريا، ويعود بناؤه إلى عهد الخليفة عمر بن الخطاب في القرن السابع الميلادي، وقد تحوّل إلى رمز للثورة السورية بعد أن شهد أولى التظاهرات المناهضة للنظام في 18 آذار/مارس 2011، ليصبح مركزاً للتجمعات الشعبية، ومنبراً لخطباء الثورة، أبرزهم الشيخ أحمد الصياصنة، المعروف بلقب “شيخ الثورة”.
زيارة الرئيس الشرع للجامع العمري لم تكن مجرد خطوة بروتوكولية في جدول العيد، بل حملت دلالات سياسية عميقة في الزمان والمكان، وعكس التفاعل الشعبي الذي أظهرته المقاطع المصورة من محيط الجامع العمري، ترحيباً واسعاً من الأهالي بهذه الزيارة ورمزيتها للمحافظة التي عانت الويلات في عهد النظام البائد، وتستحق أن تكون في موقعها الحقيقي كمنطلق التحرك نحو سوريا الحرة.
فالجامع العمري، بكل ما يحمله من رمزية، لم يعد فقط موقعاً أثرياً أو مزاراً دينياً، بل أصبح شاهدًا حيًّا على لحظة تحوّل تاريخي شهدتها سوريا انتقلت من الاستبداد إلى الحرية، وعلى طريق دولة تسعى للنهوض من ركام عقدٍ دامٍ من الحرب، نحو مستقبل من المصالحة والاستقرار.
تكتسب زيارة الرئيس “الشرع” إلى مدينة درعا، في أول أيام عيد الأضحى، أهمية خاصة على المستويات السياسية والمجتمعية والرمزية، نظراً لمكانة المدينة في الوجدان السوري، ولكونها شهدت الشرارة الأولى للثورة عام 2011، فدرعا، التي شهدت أول احتجاجات سلمية ضد نظام الأسد، تحوّلت إلى رمز وطني للتحوّل السياسي في سوريا.
وزيارة الرئيس الشرع إلى الجامع العمري، حيث انطلقت أولى المظاهرات، تعني إعادة الاعتبار للمكان وللتاريخ، وتبعث رسالة بأن المرحلة الجديدة لا تتجاهل الذاكرة الشعبية، بل تحتضنها وتعترف بها، كما تمثل الزيارة بادرة واضحة نحو ترميم العلاقة بين الدولة والمجتمعات التي عانت من القطيعة والتهميش خلال فترة الحرب لاسيما محافظة درعا التي حاربها نظام الأسد بكل الوسائل.
تحمل الزيارة دلالات تتجاوز الحدود الجغرافية للمحافظة، إذ تُعدّ رسالة للداخل السوري بأن القيادة ماضية في سياسة الانفتاح والاستماع للمواطنين، ورسالة للخارج بأن الدولة السورية بعد سقوط النظام السابق تعمل على رأب الصدع الداخلي واستعادة ثقة الشارع، كما أن زيارة الرئيس للجامع العمري – الذي قُصف في عهد النظام البائد – تُعيد تشكيل رمزية العلاقة بين القيادة والمكان، في مشهد يعكس تقاطع الذاكرة الوطنية مع التحوّل السياسي، ويمنح القيادة الجديدة عمقاً تاريخياً وشعبياً.