الثورة – تحقيق هلال عون:
مع كثرة الحديث عن التحول إلى اقتصاد السوق الحر، بعد سقوط النظام المخلوع، بدأ بعض الموظفين العاملين في القطاع العام، وبخاصة العاملين في المؤسسات غير الرابحة، أو المتوقفة عن الإنتاج كمعمل السكر، ومعمل زجاج دمشق، على سبيل المثال، بدؤوا يعبرون عن خوفهم من نتائج الخصخصة التي يمكن أن تطول مؤسساتهم، وبالتالي قد تؤثر على مستقبلهم الوظيفي، كأن تمس بعقود عملهم، وتلقي بهم على قارعة البطالة.
صحيفة الثورة، تابعت هواجس بعضهم، وسألت خبيراً وباحثاً اقتصادياً عن الضمانات التي يمكن تقديمها للعمال في حالات مماثلة، حين وبعد الخصخصة، والتحوّل إلى اقتصاد السوق الحر.. فلنتابع هذا التحقيق..
هل ستتم الغربلة؟
السيدة (نزهة. و) موظفة في وزارة الإسكان، أبدت تخوّفها على المستقبل الوظيفي لبعض العاملين في القطاع العام، وخاصة في المؤسسات غير الرابحة، التي قد تتم خصخصتها.
(بثينة. ف) موظفة في وزارة الاقتصاد والصناعة، أبدت نفس التخوف، قائلة: قد لا يصيبني ذلك لأنني على أبواب تقاعد، لكن بالتأكيد ستتم الغربلة أو إعادة الهيكلة في المؤسسات التي ستتم خصخصتها، ومعروف أن القطاع الخاص لا يقبل العمالة الزائدة، ولدينا بطالة مقنعة كثيرة، ما هو مصيرها؟!.. وعلى الدولة الجديدة أخذها بعين الاعتبار وضمان حقوقها المالية.
ستصيب غير المتخصصين
أما (رائدة.ع)، وهي موظفة بمحافظة ريف دمشق، فقالت: أعتقد أن كارثة اجتماعية ستصيب غير المتخصصين والذين ليسوا حرفيين من موظفي مؤسسات القطاع العام القابلة للخصخصة أو حتى للتشاركية.
ولم يخفِ الموظف بوزارة الكهرباء (محمد علي) مخاوفه على مستقبله الوظيفي، خاصة أنه قارئ عدادات، ويعتقد أن هذه المهنة، في طريقها إلى الزوال، وستصبح آلية الكشف عن فواتير الكهرباء شبيهة بآلية الهاتف الأرضي أو النقال.
وحين قلنا له: الكهرباء وزارة رابحة، ولن تتم خصخصتها، رد بأنه يسمع من البعض أنه قد تحدث خصخصة أو تشاركية.
(رمضان. س) موظف بوزارة الإدارة المحلية والبيئة، يثق أن إعادة الهيكلة ستطول نسبة كبيرة من موظفي المؤسسات التي قد تتم خصخصتها، لكنه يثق أن الدولة الجديدة لن تترك حقوق المتضررين، وستدفع بهم إلى سوق العمل، مع إعادة عجلة الاقتصاد والعمران، إضافة إلى أن حقوقهم المالية مكفولة وفق القوانين، كما قال.
ظلم لفكرة الاقتصاد الحر
صحيفة الثورة سألت الخبير والباحث الاقتصادي، الأستاذ إيهاب اسمندر عن الآثار الاجتماعية المتوقعة للتحول إلى اقتصاد السوق الحر، فقال: أولاً، لا يمكن اعتبار أن الاقتصاد الحر، خالٍ من دعم المواطنين ذوي الحاجة، فهذا ظلم لفكرة الاقتصاد الحر، إذ نجد أن الكثير من الدول ذات الاقتصاد الحر، يتمتع مواطنوها ببرامج متعددة لدعم المحتاجين، وفيها العديد من أنظمة التمكين والحماية الاجتماعية.
ثانياً: منذ زمن بعيد، وفي ظل الاقتصاد الموجَّه تراجعت الدولة السورية عن القسم الأكبر من الدعم الاجتماعي الذي بقي نظرياً وبلا هدف واضح، ومحصوراً في نطاق ضيق بالخبز وبعض المواد الغذائية بشكل غير منتظم، وكميات قليلة (50 لتراً) وغير مضمونة من المازوت.
59 ضعفاً فرق الاستهلاك
وحتى قبل فترة الحرب في سوريا، كان الدعم يوجه للاستهلاك (ما يعني أن من يستهلك أكثر يحصل على حصة أكبر من الدعم، أي إن الأغنياء يحصلون على دعم أكثر من الفقراء، بحسب أحد المسوح لدخل ونفقات المستهلك، المواطن السوري في العُشر الأغنى يستهلك 59 ضعفاً ما يستهلكه المواطن في العشر الأفقر).. إذاً المواطن السوري منذ زمن طويل لا يحظى بأي دعم حقيقي.
ويتابع اسمندر: من المعروف عن الدعم في سوريا أنه غير مجدٍ لأن المواطن السوري كان دائماً يشكو من عدم رضاه عن الدعم المقدم له؛ والحكومات السابقة كانت دائماً تشتكي من ارتفاع حجم الدعم الذي قدّره رئيس الوزراء الأسبق (حسين عرنوس) في لقاء مع مجلس الشعب بـ 35 ألف مليار ليرة سورية، ومع أن الرقم يبدو غير واقعي وغير معروفة طريقة حسابه، إلا أنه يعبّر عن امتعاض حكومي من الدعم، بالتالي نحن كنا أمام حالة دعم كبير اسمياً، لا يحقق رضا المواطن السوري ولا الحكومة في الوقت نفسه.
غياب برامج الدعم كارثة
إن غياب برامج الدعم أو عدم وضع برامج دعم حقيقية في ظل التوجه نحو اقتصاد السوق، يشكل كارثة في المجتمع السوري؛ لوقوع أكثر من 35 بالمئة من الشعب السوري تحت خط الفقر المدقع وأكثر من 90 بالمئة منه تحت خط الفقر النسبي.
وفي تقرير لمنظمة الغذاء العالمي لعام 2023 أشار إلى أن تكلفة سلة الغذاء الأساسية للأسرة السورية تبلغ 146 دولار شهرياً، أي إن كل أسرة سورية يعيلها عامل بأجر لا يتجاوز دخله هذا المبلغ (وهم معظم الأسر السورية) لا تحصل على الغذاء المناسب، وهذا يشكل خطراً عليهم، ولاسيما من النواحي الصحية، وما إلى ذلك
الحل الأمثل
الحل الأمثل إقامة شبكة أمان اجتماعي، لمساعدة الأسر السورية في الفئات الهشئة والمهمشة، لردم فجوة احتياجها وتقديم حزمة متكاملة من الخدمات لهذه الأسر من سكن وطبابة وغذاء وغير ذلك.
يمكن في هذا الإطار تصميم شبكة الأمان الاجتماعي من مختصين وخبراء، مع تحليل دائم لأسباب الاحتياج وسبل تحرير المحتاجين من أسبابه :(تدريب، تأمين فرص عمل مناسبة، توفير مشروعات صغيرة وأسرية…)، مع المحافظة على رعاية المرضى والعجزة وأمثالهم بما يلائم حالتهم.
منافع عديدة للدعم الاجتماعي
لا ينبغي النظر إلى برامج الدعم الاجتماعي على أنها محض تكلفة، بل في حال إدارتها بشكل صحيح، تحقق العديد من المنافع، ومن ذلك:
أولاً: وقاية المجتمع من أخطار الحاجة كالجريمة والانحراف.
ثانياً: تقليل معدلات الفقر والبطالة.
ثالثاً: زيادة عدد الميسورين والقادربن وبالتالي زيادة نسبة الطبقة المتوسطة.
رابعاً: توفير مهارات أفضل لدى السكان.
خامساً: تعميق شعورالانتماء لدى المواطنين لإحساسهم أن الدولة تقف إلى جانبهم.
المهم أن يتم تصميم برامج الدعم الاجتماعي بطريقة علمية، من قبل مختصين في سياق اقتصاد حر شفاف وقوي.