الثورة – مها دياب:
لطالما كانت العدالة الانتقالية مطلباً جوهرياً للسوريين في سعيهم نحو مستقبل أكثر استقراراً وإنصافاً، خاصة بعد سنوات من الصراع والتحديات العميقة التي تركت بصماتها على المجتمع بأسره، وفي هذا السياق، جاء المؤتمر الصحفي الذي عقده عضو اللجنة العليا للسلم الأهلي حسن صوفان، في وزارة الإعلام أمس، والذي أثار جدلاً واسعاً على منصّات التواصل الاجتماعي، إذ عبر كثيرون عن استيائهم مما اعتبروه محاولة لتجميل قرارات الإفراج عن شخصيات متورطة في جرائم حرب، الأمرالذي يتناقض مع مفهوم العدالة الانتقالية التي يتطلع إليها السوريون.
اللجنة العليا للسلم الأهلي تقول: إنها تسعى إلى تحقيق الاستقرار المجتمعي من خلال معالجة القضايا العالقة، وإطلاق سراح بعض المعتقلين الذين لم تثبت إدانتهم بجرائم حرب، في خطوة تقول: إنها تهدف إلى تعزيز المصالحة الوطنية، لكن هذه الإجراءات أثارت شكوكاً واسعة، واعتبر كثيرون أنها تمس جوهر العدالة الانتقالية، التي يفترض أن تركز على محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة بحقّ السوريين، وليس فقط تقديم حلول سياسية مؤقتة.
غضب شعبي
شهد المؤتمرانتقادات واسعة.. وكان ذلك واضحاً من خلال التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، فعبر منصة X رأى العديد من الناشطين أن أسلوب الطرح عكس استعلاء واستخفافاً بمطالب الشارع السوري، إذ أشار أحمد العودات إلى أن الأسلوب الفظ والكلمات غير الموفقة طغت على جوهر المؤتمر، مما جعله بعيداً عن الهدف الأساسي الذي كان ينتظره السوريون، كما اعتبر أن هذا النهج أثارغضب الشارع بدلاً من تقديم حلول حقيقية.
ومن جهته، قال رياض العزيزي: إن هناك نقاشاً واسعاً على منصّات التواصل حول تصريحات حسن صوفان، واعتبر كثيرون أن الخطاب لم يكن في مستوى توقعات السوريين الباحثين عن عدالة شفافة، وأنه كان بحاجة لتحضير أكثرجدية واحترافية لمخاطبة الشارع السوري.
وأشار يحيى بركة، إلى أن تعامل صوفان مع الصحفيين افتقر إلى المهنية المطلوبة، حيث استخدم تعابير مباشرة أثارت استغراب الحاضرين، أما باسل الشامي فرأى أن المؤتمر لم يحقق الهدف المتوقع في تهدئة الغضب الشعبي، بل زاد من حالة الاحتقان، معتبراً أن الحل الأمثل يكمن في الإسراع بإيجاد حلول جذرية تستند إلى تجارب دولية ناجحة لضمان تحقيق العدالة الانتقالية بشكل أكثر فاعلية.
أخطاء بنيوية
أيضا جاءت ردود الأفعال على فيسبوك مشابهة لمنصة X، فمن جهته الكاتب السياسي محمد نجار، قال: إن هناك “أخطاء بنيوية كبيرة في أداء اللجنة، سواء من حيث المهام المكلفة بها أو في طريقة إدارة المؤتمر الصحفي، الذي غابت عنه الاحترافية المطلوبة لمثل هذه اللقاءات الهامة”، كما دعا إلى تطويرعمل اللجنة بشكل مهني يعزز الثقة بين السوريين، خاصة بعد الانتقادات الموجهة لها بسبب تغاضيها عن بعض الشخصيات المتورطة في الجرائم.
أما باسل الشامي، فقد اعتبر أن المؤتمر كان يهدف إلى تهدئة الغضب الشعبي لكنّه أدى إلى نتائج عكسية، قائلاً: “احقنوا الدماء بقتل المجرمين، فالحل هو الإسراع في حل المشكلة وأخذ التجارب من الدول الأخرى، وإلا ستفلت الأمور من أيديكم”.
في المقابل، كان هناك من دافع عن قرارات اللجنة، واعتبر البعض أن الإجراءات التي اتخذت تهدف إلى إرساء الاستقرار، وإن كانت غير كافية حتى الآن لتحقيق العدالة المرجوة.
مقترحات لتطويرعمل اللجنة
وسط هذا الجدل، قدّم الكاتب الساسي محمد نجار مقترحاً لتطويرعمل اللجنة من خلال خمس خطوات أساسية، وهي: تعزيز التهدئة المجتمعية من خلال تشكيل لجان وساطة محلية، وتنسيق الجهود بين قادة الرأي، وتفعيل الحوار والمصالحة من خلال تنظيم جلسات حوارية تضم ممثلين عن الضحايا والمكونات المتنازعة، ودعم العدالة الانتقالية والترويج لمبادئ المساءلة ومنع شمول مرتكبي الجرائم بقرارات العفو، وبناء ثقافة السلم الأهلي عبر تنظيم حملات توعية وإنشاء مراكز دعم نفسي للمتضررين، ايضا التنسيق الوطني والدولي عبر التعاون مع لجان السلم الأهلي والمنظمات الدولية للاستفادة من التجارب السابقة. بين النظرية والتطبيق تظل قضية العدالة الانتقالية نقطة جوهرية في النقاش السوري، إذ يرى البعض أنها يجب أن تكون شاملة وعادلة لضمان محاسبة جميع المتورطين في الجرائم، وليس تقديم حلول سياسية مؤقتة، ومع استمرار الجدل حول قرارات اللجنة العليا للسلم الأهلي، يظل السؤال الأهم: هل يمكن تحقيق سلم أهلي حقيقي دون محاسبة عادلة لمن تورطوا في انتهاكات جسيمة؟. ختاماً: نؤكد أن السلم الأهلي ليس مجرد شعارات، بل يتطلب خطوات فعلية تحقق الإنصاف، وتضمن أن تكون العدالة الانتقالية حقيقية وليست شكلية، كي لا يتحول المسار إلى مجرد محاولة أخرى لطمس الحقائق وإعادة إنتاج الأزمة.