ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
لم تكن المقاربات المتداولة حول الدور الأردني وعلاقته بإسرائيل ومهمته الوظيفية في سائر التطورات التي تشهدها المنطقة مجرد رؤية افتراضية تدعمها الأدلة الحسية الملموسة, وتُمليها المؤشرات السياسية المنظورة في جوانب مختلفة،
لكنها في ظلّ غياب المقارنات، وحالة الضبابية في النفي أو التأكيد، بقيت ملامسة هذا الدور أو توصيفه في إطار التحليل حيناً والاستنتاج أغلب الأحيان الذي خضع لحالة من التغييب السياسي المتعمّد.
اليوم .. يحضر الدور الأردني في العلاقة مع إسرائيل عبر التوقيع على مشروع القناة المطروح صهيونياً منذ قرن ونيّف، والمؤجل منذ عقود.. حيث كانت إسرائيل بوابة الاردن التقليدية التي لم تفارق وجوده الوظيفي على خريطة المنطقة منذ أن اختُرع اسم الأردن وبات مسكوناً في خرائط المنطقة بإيحاءاته ومهماته المرحلية وفق معيار الحاجة الغربية، خصوصاً أن فصول التجاذب في محاكاة ذلك الدور كانت حكراً في أغلب الأحيان على مصالح وأطماع الدول الكبرى، وكان حصرياً لمصلحة الدولة المتفردة أو الأكثر تأثيراً في تحديد مسار تلك الأطماع والمهمات الموكلة إليها.
في المجادلة الغربية تجاه ذلك الدور، خصوصاً من قبل الأميركيين، كان بوش الأب الأوضح في توصيفها بدقة متناهية منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، حين تحدث عن الدور الأهم للأردن في المرحلة القادمة فكان العكّاز الأميركي للمزاوجة بين وجود أميركي مباشر وبين إدارة الحروب والصراع في المنطقة عن طريق الوكالة، إلى درجة أنه في كل الفصول الأميركية التي شهدتها المنطقة حافظ الأردن على الطابع ذاته من التبعية والتنسيق العالي المستوى مع إسرائيل.
وفي الحرب على سورية كان بيدقاً متقدماً، ومهماته اللوجستية البعيدة والقريبة المباشرة وغير المباشرة لم تتعدّل أو تتغيّر إلا في حدود الضرورة المرحلية، واطمأن الأردن إلى دوره، ولم تساوره في لحظة من اللحظات الشكوك حيال الحظوة الأميركية والعصيّة على غيره، متكئاً على تجربته على الدور الذي لعبه في العدوان الأميركي على العراق، وظلّ طي الكتمان أو بعيداً عن الأضواء إلى سنوات لاحقة.
وفي العلاقة مع التنظيمات الإرهابية بما فيها الإخوان ومشتقاتها الإضافية في المرحلة اللاحقة ظلّ الأردن حجراً مشتركاً على رقعة انتشار وتفشّي تلك التنظيمات، وحافظ على علاقة وطيدة حالت دون أي احتكاك عملي معها، رغم مشاهد الاشتباك السياسي والديني المترامي الأطراف، وهو ما ألبسه أدواراً إضافية عجزت عنها بقية الأدوات الأميركية والإسرائيلية، وفرضت الحاجة إليه من قبل الطرفين على حدّ سواء.
قد لا يستدعي التوقيع الأردني الإسرائيلي على مشروع القناة بين البحرين الأحمر والميت الكثير من التدقيق في عناوينه للاستدلال منه على الدور الذي ينتجه الأردن في مرحلة التحوّل الجغرافي والاستراتيجي في هوية المنطقة.. الذي يقارع من أجله الغرب، لكنه حين يرتبط بمراجعة تاريخية حتمية لمشهد ظلّ تحت ركام الأحداث وخلف ستائر المشادات السياسية وكواليس الألعاب الاستعمارية بوجهها الاستنساخي الأميركي، لا بدّ من معايرة المقاربات التقليدية لتكون قادرة على تحديد الوجهة الإسرائيلية والأميركية في توظيفات الدور الأردني.
المفارقة ليست في المشروع وما يحمله من خلفيات وانزلاقات خطيرة، تتعدى الاستراتيجية الوجودية، بل في قلب المعطيات وفقاً لتواريخ تثبتها إسرائيل في اللعب بجغرافية المنطقة وحدود التواصل ومقاطع التنافر الجيوسياسي كجزء من لعبة تثبيت الأقدام الإسرائيلية داخل كهوف المنطقة المغرقة في هشاشتها الديمغرافية والسياسية، وبما يتناقض مع مشهد الصراعات المتفاقمة التي توحي بحالة من الطمأنينة لدى كل من الأردن وإسرائيل دون أن تغيب عن الذهن في حال من الأحوال دلالة الرعاية والضمانة الأميركية.
واللافت في المشهد أن التوقيت يأتي على تخوم حالة من الغليان والفلتان المدوي على امتداد المنطقة، بما يقتضيه من تريّث في تحريك أحجار الخرائط، فيما إسرائيل والأردن تعبثان بالتاريخ والجغرافيا وتدسّان أصابعهما أيضاً في جيولوجيا المنطقة ومتاهة السراديب الممتدة في تركيبتها بالتنسيق والتناغم مع التنظيمات الإرهابية والمتفق عليه غربياً، لتخطا رسائل تحدٍّ تجاوزت حدود الوجدان الجمعي لشعوب المنطقة.. لتصل في ارتداداتها إلى خليط سياسي من التماهي في الدور والوظيفة على حساب المنطقة ووجودها التاريخي وجغرافيتها المكانية والزمانية والسياسية.
a.ka667@yahoo.com