الثورة- منهل إبراهيم:
في ظل المشهد الإقليمي شديد التعقيد، تظهر الخطوات المصرية تجاه سوريا كمؤشر على عودة تدريجية للتنسيق العربي، لا سيما في القضايا الأمنية والسيادية التي تشكل قاسماً مشتركاً للعديد من الدول على امتداد الساحة العربية.
وتسعى مصر بشكل واضح لتعزيز العلاقات مع سوريا الجديدة، وتؤكد دعمها الكبير للحكومة في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية الراهنة، وفي مقدمتها التوغلات والاعتداءات الإسرائيلية على أراضي الجمهورية العربية السورية، وأكدت القاهرة دعمها الكامل لوحدة سوريا وسلامة أراضيها، ورفضها القاطع للتوغلات والانتهاكات الإسرائيلية المتزايدة على الأراضي السورية، لا سيما في الجنوب.
يأتي هذا الموقف المصري في ظل تحولات إقليمية معقدة، أبرزها الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، وتصاعد التهديدات والتدخلات الإسرائيلية التي تطال الأمن القومي العربي ككل، وظهر الدعم المصري لسوريا خلال لقاء جمع وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني بنظيره المصري بدر عبد العاطي، على هامش أعمال الدورة الـ164 لمجلس جامعة الدول العربية في القاهرة، حيث جددت مصر موقفها الداعم لسوريا، مشددة على ضرورة احترام السيادة السورية ورفض محاولات فرض أمر واقع عبر العمليات العسكرية الإسرائيلية العدوانية المتكررة وانتهاكاتها لحرمة الأراضي السورية.
ويؤكد موقع “ميدل إيست أونلاين” أن اللقاء بين الوزيرين، الذي يعد الثاني خلال ثلاثة أشهر بعد لقاء سابق في منتدى أوسلو، يحمل دلالات مهمة تتجاوز المجاملات الدبلوماسية، إذ يعكس تحولاً في الموقف المصري من حالة تحفظ استمرت لسنوات تجاه دمشق، إلى دفع مدروس لعلاقات تعاون حقيقي في ضوء التحديات التي تواجه البلدين وعموم المنطقة.
فالقاهرة، التي ظلت لفترة طويلة تمسك العصا من المنتصف حيال الملف السوري، باتت تنظر إلى تعزيز التعاون مع سوريا على أنه جزء من استراتيجية أمن قومي أوسع، في ظل ما وصفه مراقبون بـ”الانفلات الإسرائيلي” على الساحة السورية، والذي تجاوز حدود استهداف ما يزعم الاحتلال أنها مواقع تشكل خطرا عليه، إلى استهداف مباشر للمنازل ومدنيين آمنين عزل.
ويسيطر جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ شهور على مناطق استراتيجية في جبل الشيخ، ويحتل شريطاً أمنيًا بعرض يصل إلى 15 كيلومتراً في بعض المناطق الجنوبية من البلاد، إضافة إلى فرض سيطرته على ما يُقدر بأكثر من 40 ألف سوري داخل المنطقة العازلة، كما تستمر الغارات الجوية الإسرائيلية على مواقع في دمشق وريفها، والتي أسفرت في عدة حالات عن سقوط ضحايا مدنيين وتدمير بنى تحتية عسكرية ومدنية.
ومن الثابت أن هذه الانتهاكات والتوغلات الإسرائيلية لم تكن رداً على تحركات عدائية من جانب سوريا، بل جاءت رغم أن الإدارة السورية الجديدة، التي تولت زمام الأمور في سوريا في 8 كانون الاول 2024 بعد الإطاحة بالنظام المخلوع، لم تظهر أي نية للتصعيد أو التهديد تجاه إسرائيل.
ويلفت “ميدل إيست أونلاين” إلى أنه من منظور مصر، فإن تغوّل إسرائيل في الأراضي السورية لا يهدد سوريا فقط، بل يمثل اختراقا خطيراً للمنظومة الأمنية العربية، ويعرض الأمن القومي المصري لمخاطر غير مباشرة، لا سيما مع احتمالية تحول الجنوب السوري إلى ساحة اشتباك دائم قد تمتد تداعياته إلى الجوار الأردني والعراقي واللبناني.
الوزير عبدالعاطي عبّر بوضوح عن هذا القلق خلال اللقاء مع الوزير الشيباني، مشيرا إلى أن الاعتداءات الإسرائيلية تمثل “انتهاكا صارخاً لأحكام القانون الدولي واتفاق فصل القوات لعام 1974″، الذي أنهى عمليا حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، وهو اتفاق تعتبره مصر جزءا من التوازنات التي حافظت لعقود على الهدوء النسبي في الجبهة السورية.
ويؤكد البيان المصري، أن القاهرة ترى أن إحياء الدور العربي في سوريا لم يعد مجرد مسألة تطبيع دبلوماسي، بل ضرورة استراتيجية لمواجهة الاختراقات الإسرائيلية المتزايدة التي تهدد بإغراق المنطقة في الحروب والصراعات والأزمات.
لاشك أن هناك ترابطا عضوياً بين الساحات العربية المختلفة، فالتهديدات الإسرائيلية لم تعد مقتصرة على الضفة الغربية وقطاع غزة، أو الجنوب اللبناني، بل تمتد اليوم إلى عمق الأراضي السورية.
ومن هذه الزاوية ترى مصر أن أمن سوريا هو جزء من أمن المنطقة ككل، وأن حماية الأراضي السورية من الانتهاكات الإسرائيلية يمثل خطوة ضرورية لمنع الإضرار بالدولة السورية، ولتوجيه رسالة مفادها أن العرب قادرون على التنسيق والردع حين تمس خطوطهم الحمراء.
