الثورة- منذر عيد:
يشكل الاقتراح الذي تقدم به رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي روجرز ويكر، والقاضي بإلغاء “قانون قيصر” عبر إدراجه في موازنة الدفاع لعام 2026، منعطفاً مهماً في مقاربة واشنطن للملف السوري، ليس فقط لأنه يمس واحداً من أبرز أدوات العقوبات التي استخدمت خلال السنوات الماضية، بل لأنه يعكس تغيراً واضحاً في المناخ السياسي داخل الكونغرس الأميركي، إذ أن إدراج الإلغاء ضمن قانون الدفاع السنوي يعني عملياً أنه لن يطرح كملف مستقل للنقاش والتصويت، بل سيمر تلقائياً ضمن حزمة متكاملة تقر عادة مع بداية السنة المالية، وهي الطريقة ذاتها التي جرى اعتمادها عام 2019 لتمرير القانون نفسه.
اللافت أن السياق السياسي الحالي يختلف جذرياً عن الظروف التي أقر فيها “قيصر”، إذ يسود اليوم توافق واسع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي لدعم الإلغاء، وهو ما يظهر في المشاريع التي تقدم بها نواب وشيوخ بارزون من الطرفين، هذا التوافق يعكس إدراكاً متنامياً بأن العقوبات لم تحقق أهدافها السياسية المرجوة، بل أسهمت في تعميق الأزمة الاقتصادية والإنسانية داخل سوريا من دون أن تغير في مواقف النظام السابق المخلوع أو تحالفاته، ويبدو أن التحرك الجديد يأتي أيضاً في إطار إعادة ترتيب أولويات السياسة الخارجية الأميركية، إذ تتقدم ملفات الصين وروسيا وأوكرانيا على ما عداها، فيما يتراجع الملف السوري إلى مرتبة ثانوية لم تعد تستدعي الاستنزاف السياسي والدبلوماسي.
الإلغاء المحتمل لـ”قيصر” ستكون له انعكاسات متشعبة على جبهات عدة، فبالنسبة لسوريا، سيمثل خطوة نحو تخفيف الضغوط الاقتصادية وفتح الباب أمام حركة أوسع في مجال التجارة والاستثمار وإعادة الإعمار، ولو بشكل تدريجي وحذر، وعلى المستوى الإقليمي، فإن الخطوة الأميركية تنسجم مع التوجه العربي لإعادة دمج سوريا في محيطها وإعادة تفعيل التعاون الاقتصادي معها، الأمر الذي قد يفضي إلى شبكة مصالح مشتركة تدفع نحو استقرار نسبي، أما بالنسبة لواشنطن، فإن رفع العقوبات سيمنحها هامش مناورة أكبر مع حلفائها الإقليميين والدوليين، ويتيح لها استخدام الإلغاء كأداة تفاوضية بدلاً من كونه التزاماً عقابياً جامداً.
إن إدراج إلغاء “قيصر” ضمن موازنة الدفاع لا يعكس مجرد إجراء تقني في آلية التشريع الأميركي، بل يحمل دلالة سياسية أعمق تتصل بمراجعة شاملة لجدوى سياسة العقوبات في سوريا، وإذا ما تم تمرير هذا المسار، فإنه سيفتح الباب أمام مرحلة جديدة في العلاقة بين دمشق وواشنطن، ويعيد رسم موازين القوى في المنطقة، بما يتيح فرصاً لتقارب اقتصادي وسياسي أوسع، لكنه يطرح في الوقت ذاته أسئلة معقدة حول طبيعة التسويات المقبلة وحدودها.
