الثورة – نور جوخدار:
في شوارع دمشق.. بين الأزقة والحارات، وعند إشارات المرور، وأمام أبواب المساجد، والمستشفيات العامة والخاصة، والمطاعم والأسواق، أطفال يفترشون الأرصفة برفقة نساء أو وحيدين.. صغاراً أو يافعين إلى جانب رجال أو نسوة كبار في السن.
شكلت هذه المشاهد التي باتت مألوفة من جراء الأوضاع الاقتصادية الصعبة وتراجع فرص العمل، وغياب تشريعات حقيقية رادعة، ظاهرة مزعجة لأنها تمثل انعكاساً لتفكك الأسر ومعاناتها، وبالتالي تهديداً لبنية المجتمع وأيضاً تشويهاً لصورته في الداخل والخارج.
التسول يعد واحداً من أقدم الظواهر الاجتماعية التي عرفتها المجتمعات، مع اختلاف أسبابها وطبيعتها وحجمها من زمن لآخر، وهي مرتبطة بالسياق التاريخي والتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها الدول.
تفاقم ظاهرة التسول
وفي سوريا، وبعد سنوات الحرب الطويلة، خلّف النظام المخلوع أزمات معيشية واجتماعية كبيرة أفرزت العديد من الظواهر السلبية، كان من أبرزها تفاقم ظاهرة التسول وأخذها أشكالاً متعددة لاستعطاف الأشخاص.
مدير مكتب التسول في مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل، خزامى النجاد أكدت في تصريح خاص لـصحيفة الثورة أن ظاهرة التسول في سوريا تعود لعدة أسباب منها الفقر والبطالة، وتفكك البنى الأسرية، وضيق الأوضاع الاقتصادية، إلى جانب من يتخذها مهنة ومصدر دخل مالي من دون بذل أي مجهود.
وبينت النجاد أن غالبية الأطفال المتسولين، إما يتم تشغيلهم من قبل أهاليهم أو أقاربهم، وإما يتم تشغيلهم من قبل مشغلين ضمن شبكات، لافتة إلى أن بعض الأهالي يلجؤون للتسول برفقة أطفالهم مستغلين عاطفة المجتمع تجاههم.
وأشارت إلى خطورة هذه الظاهرة وانعكاساتها النفسية والاجتماعية على حالة الأطفال، إذ يُحرم معظمهم من حق التعليم، وأن نسبة كبيرة منهم غير مسجلين بالمدارس أو متسربون منها، فضلاً عن تعرضهم لحوادث الشوارع، وتعاطيهم المواد المخدرة كـ “الشعلة” و”التدخين”.
وفي هذا السياق، أضافت النجاد: إن مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل تقوم بمتابعة هذه الحالات عبر مكتب مكافحة التسول بدمشق بالتنسيق مع أقسام الشرطة لرصد حالات المتسولين وتنظيم الضبوط اللازمة والحصول على موافقة المحامي العام لإيداعهم في مراكز مخصصة لهم.
مركز تشغيل المتسولين والمتشردين
وبينت أنه يوجد حالياً نحو ٢١٠ حالات متسولة موزعة على مراكز وجمعيات الوزارة، وتوجد 54 حالة من الإناث في مؤسسة حقوق الطفل بباب مصلى تتراوح أعمارهم بين 4 و19 سنة، و58 حالة من الذكور في نفس المؤسسة ونفس الفئة العمرية، بينما يوجد 10 حالات أخرى في دار تشغيل المتسولين والمتشردين في الكسوة، موضحة أن المديرية تعمل على متابعة الحالات التي يتم إيداعهم في المراكز من حيث الرعاية الطبية والصحية والدعم النفسي وتنظيم الأنشطة الرياضية لهم، إلى جانب إعادة البعض منهم للمدارس والتعليم.
وكشفت النجاد عن خطة الوزارة لترميم وتأهيل مركز تشغيل المتسولين والمتشردين في “الكسوة” والذي تصل طاقته الاستيعابية إلى نحو 250 شخصاً، مع تفعيل دور الورشة والمهن داخله، بحيث يكون المتسول مؤهلاً وقادراً على العمل بعد خروجه من المركز.
كما يجري العمل على دراسة أوضاع أسر المتسولين لإيجاد فرص عمل لهم ودمجهم ضمن برامج التمكين المهنية، بالإضافة إلى العمل على افتتاح مراكز جديدة لتأهيل ورعاية حالات المتسولين.
وأوضحت النجاد أنه لا يوجد إحصائية دقيقة لأعداد المتسولين في سوريا، لكن الوزارة بصدد إجراء مسح اجتماعي شامل، خاصة بعدما لوحظ ازدياد في عدد حالات المتسولين والمتشردين.
ليست مسؤولية الدولة وحدها
وبينت أن وزارة الشؤون الاجتماعية تقوم بالتنسيق مع وزارات الداخلية والعدل لمكافحة هذه الظاهرة على أرض الواقع والحد منها، لكنها طالبت بتكاتف حكومي أوسع يضم وزارات التربية والصحة والأوقاف والإدارة المحلية، إلى جانب دعم المجتمع الأهلي.
مكافحة التسول ليست مسؤولية الدولة وحدها، بل هي التزام اجتماعي وأخلاقي يساهم فيه كل فرد من المجتمع عن طريق الإبلاغ عن الحالات المشبوهة، والامتناع عن العطاء العشوائي وتحويل هذا الدعم نحو البرامج الرسمية المعتمدة لضمان وصولها لمستحقيها.