الثورة – إيمان زرزور:
في لحظةٍ مشحونةٍ بالرمزية والعدالة المعنوية، شهدت مدينة حلب السورية حدثاً تاريخياً تمثّل في تغيير اسم جامع “الرئيس” سابقاً إلى “جامع شهداء المشارقة”، وذلك وفاءً لضحايا إحدى أبشع الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد الأب خلال سنوات حكمه.
القرار الذي اتُّخذ في المدينة مؤخراً، لم يكن مجرد خطوة إدارية أو تغيير اسم مكان، بل جاء ليعيد الاعتبار لضحايا مجزرة حي المشارقة التي وقعت صباح عيد الفطر، في 11 آب/ أغسطس 1980، حين ارتكبت قوات تابعة للنظام مجزرة جماعية راح ضحيتها أكثر من 80 مدنياً من أبناء الحي، غالبيتهم من الرجال والشباب.
وبحسب روايات شهود عيان وناجين، اقتحمت قوات الأسد الحي في صباح العيد، واقتادت عشرات الشبان والرجال من منازلهم إلى منطقة مجاورة لمقبرة هنانو، حيث تمّ إعدامهم ميدانياً بدمٍ بارد، ثم دُفنوا في مقبرة جماعية بين مقبرة السنابلة ومدرسة عبد الرحمن الغافقي الواقعة في قلب حي المشارقة.
المجزرة، التي ظلّ النظام لعقود يفرض عليها تعتيماً إعلامياً مطبقاً، أصبحت اليوم جزءاً من الذاكرة الجمعية لسكان المدينة، وقد مثّل تغيير اسم الجامع القريب من موقع المجزرة، والذي كان يحمل اسم “الرئيس” لسنوات طويلة، انتصاراً رمزياً للضحايا وأهاليهم، ورسالة واضحة بأن العدالة التاريخية لا تموت، ولو بعد حين.
يقول أحد أبناء حي المشارقة، وهو نجل أحد الضحايا: “نحن لا ننسى، واليوم نرى بصيصاً من الإنصاف ولو كان متأخراً، إعادة تسمية الجامع باسم شهدائنا تعني لنا الكثير، هذا المكان كان شاهد قبرٍ صامت طوال أربعة عقود، واليوم بات شاهداً حقيقياً على الجريمة وعلى صمود الحقيقة”.
ويأتي هذا الحدث بعد سنوات من انطلاق الثورة السورية، التي أسقطت الكثير من الرموز المرتبطة بمرحلة القمع والاستبداد، وبدأت تعيد رسم ملامح الذاكرة الجمعية السورية بهوية ترتكز على العدالة والكرامة وحقوق الإنسان.
وبينما لا تزال مجزرة المشارقة دون محاسبة قانونية للمسؤولين عنها، فإن خطوات رمزية من هذا النوع، كإعادة تسمية معالم المدينة، تُعدّ جزءاً من مسار طويل نحو العدالة الانتقالية التي ينادي بها السوريون، وتمثل لحظة استعادة صوت الضحية في مواجهة سردية القاتل، وصرخة تقول: لم يُنسَ أحد، ولن يُنسى أحد.