دراما إذاعية ترسم عوالمها بريشة فنان.. محمد عنقا: الفن الإذاعي هو الأكثر قدرة على الانتشار

الثورة – فؤاد مسعد:

اعتمادها في التلقي على حاسة السمع فقط، يجعلها تتفرد بفنون أداء تستثمرها إلى الحد الأبعد لتبدو مُقنعة، قريبة من الناس، تلامس مشاعرهم وأفكارهم وتتغلل إلى داخلهم من دون استئذان، إنها الدراما الإذاعية صديقة المستمع في الكثير من الأوقات، ورفيقة دربه في الأسفار، تجعله يُحلّق في عوالم ترسمها بريشة الصوت كفنان يخطّ ألوانه على لوحة تحمل الكثير من الدلالات والمعاني، تدفعه إلى الانجذاب لما تقدمه من أعمال مرسخة حضورها المؤثر والفعال.

وبفيض من دفء وإنسانية، وحضور معجون بكاريزما تميز ممثلاً عن آخر، وإحساس يملأ كيانك كمستمع يجعلك على يقين أنك تعرف صوت هذا الممثل منذ زمن، تشعر أنه ليس بغريب عنك وسبق أن سمعته يوماً بكل ما فيه من أحاسيس وانفعالات، هو صوت متلون جهوري قوي حيناً وضعيف مستكين حيناً آخر، يتميز بنبرات مدروسة يمكن أن تكون لوحدها “دراما” بنغماتها وآلية إلقائها، يتسلل إلى وجدان المستمع معبراً عن روح الشخصيات وما يعتلج فيها من عوالم، بكل ما فيها من خصوصية وتفرد.

من منا ينسى كيف كانت العائلة بكبيرها وصغيرها تتحلّق حول المذياع لمتابعة أحداث تمثيلة هنا أو برنامج هناك، أو مسلسل يترقب الجميع معرفة نهايته، هذه الأجواء التي تبدلت اليوم، لم تؤثر على مكانة الدراما الإذاعية، بل وجدت آلياتها لتبقى قريبة من الناس، تمتلك عناصر الجذب التي تضمن لها الحفاظ على جمهورها المُحب.

عجلة الإنتاج

مع عودة الحياة إلى استديو الدراما الإذاعية خلال وقت قصير بعد التحرير، ودوران عجلة الإنتاج، يبرز سؤال حول ما تمّ إنجازه إلى اليوم، والبرامج والمسلسلات التي تشكل في مجموعها زاداً أساسياً للإذاعة.. عن ذلك يتحدث مدير دائرة الدراما الإذاعية المخرج باسل يوسف، مؤكداً أنه بعد عودة البث لإذاعة دمشق العريقة مع بزوغ فجر 1/1/2025 لم يتوقف بثّ الدراما الإذاعية ببرامجها الشهيرة والمحببة لدى المستمعين.

ويشير إلى أنها عادت ببرامجها ومسلسلاتها المعتادة، بما فيها “حكم العدالة، محكمه الضمير، ظواهر مدهشة، الروائع، خزانة العرب، واحات القوافي، التمثيلية الإذاعية، وصلتم بالسلامة”، إضافة إلى عشرات المسلسلات من كل الأنواع التاريخية والكوميدية والاجتماعية والدينية، وذكر منها “قصص الأنبياء، سميراميس حمامة الشرق، حي الصالحية، عوالم الأنفاق الخفية، القرآن والإنسان..”. إضافة إلى الاسكتشات الشهيرة المستعادة “صابر وصبرية، يوميات عائلية، عطيني أدنك، الروزنامة السورية..”، موضحاً أن ذلك كله مستمر لأن مساحة بثّ هذه الأعمال تتراوح بين 10و15 ٪ من البث الإذاعي العام.

أعمال جديدة

وحول الجديد الذي تمّ إنجازه، يقول: “عدنا مع خماسية “قصة حياة” التي حكت عن شرارة اندلاع الثورة عام 2011 مع تعالي الأصوات في درعا المنددة بممارسات فرع الأمن السياسي آنذاك، واعتقاله بعض الشباب.. وسجلنا بعدها برنامج “يوميات من بلدنا” وهو حلقات قصيرة تسلط الضوء على مشاهد من حياتنا اليومية بأسلوب ناقد، سعياً للتصويب ولفت الانتباه لتكون الدراما عين على الواقع، تشاهد وتقترح الحلول”.

ويتابع: “فيما يتعلق بإنتاج المسلسلات أنتجنا مسلسل (صمت الجدران) بمشاركة أكثر من 40 ممثلاً من نجوم الدراما في سوريا، ورصد ملفات الفساد والممارسات اللا أخلاقية في المجتمع كما طرحنا قصص السجناء من داخل سجن صيدنايا في إشارة للمعتقلين من لحظة الاعتقال حتى ساعات التعذيب والقهر داخل السجن، وصولاً إلى لحظة التحرير وسقوط النظام البائد”.

ويشير إلى أن دائرة الدراما الإذاعية مستمرة في إنتاج “حكم العدالة- محكمة الضمير” البرامج الأشهر إذاعياً في سوريا، كما تستمر الدراما بإعداد خطط تناسب وتلائم المرحلة الحالية نحو سوريا الجديدة.

آلية العمل

وفيما يتعلق بآلية العمل ضمن دائرة الدراما الإذاعية، يقول: “من حقّ أي كاتب يجيد الكتابة لهذا القطاع تقديم نصه الدرامي للدائرة، فيُدرس النص من حيث الموضوع والجودة وسلاسة السياق الدرامي، ويقوم القارئ بالتقييم وكتابة رأيه مفصّلاً، متضمناً لمحة موجزة وعيوب النص إن وجد مع سبب الاعتذار والملاحظات وإمكانية تعديلها، وحين إقرار النص يُدرج ضمن الخطة وتحويله للمخرج المناسب، لانتقاء الممثلين وحجز استديو التسجيل والقيام بعمليات المونتاج وإضافة المؤثرات الصوتية والموسيقا.. وعند الانتهاء يقوم المراقب الفني بالاستماع للعمل وتقييمه فنياً وإرساله لمكتبة الأشرطة وحفظه ضمن شروط فنية خوفاً من التلف، وتجدر الإشارة إلى أن مكتبة الأشرطة تحتفظ بأرشيف يعود بالزمن لأكثر من 60 عاماً”.

متطلبات العصر

وحول مدى ملاءمة التجهيزات الموجودة لمتطلبات العصر اليوم، يقول: “تقوم الإدارة الجديدة للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون بتقييم الأصول والتجهيزات الفنية وتجهيزدراسة عامة وشاملة من ضمنها وضع التجهيزات الفنية وتطويرها وتقديم ما يمكن أن يرفد العمل بأحدث البرامج والتجهيزات التقنية لاستثمارها الأمثل، مما ينعكس على إنتاج محتوى يليق بهذا الإرث الفني الرائع، إضافة إلى إعداد خطة لتطوير الدراما الإذاعية ليتم تسويقها عبر السوشيال ميديا”.

وعن شروط قبول النص ليتم إنتاجه، يقول: “ينبغي ألا يتعرض النص بسوء للشعب السوري بكلّ مكوناته، ونحن ضد أي خطاب طائفي تكفيري، فسوريا واحدة موحدة، وكلّ شبر من أرضها يعبرعن السيادة السورية، علم واحد وجيش واحد، ولا نتردد بنقد أي ظاهرة سلبية”.

الأكثرانتشاراً

تحدث المخرج محمد عنقا عن أهمية ما يُقدم من أعمال درامية ضمن الإذاعة: “يخطئ من يظن أن الإذاعة والتلفزيون وجدا للمواد الإعلامية البحتة، كما يخطئ من يظن أن الدراما التلفزيونية سحبت البساط من تحت قدمي الدراما الإذاعية ذات السحر الأوسع الذي يأخذ بيد الخيال إلى أبعد أبعاده ليرسم المشاهد مكاناً وزماناً بحرية كفيلة ببلوغ أروع ما في الخيال من قدرة على صناعة الجمال من خلال أحداث الممثلين والموسيقا والمؤثرات الصوتية وتنتعش ملكة التجسيد الحر في رسم الشخصيات والمواقف الدرامية الأكثر حيوية وتأثيراً في النفس الإنسانية، على العكس مما نجده في الدراما التلفزيونية من محدودية تكبل الخيال وتلهيه بالصور والحركة المقيدة في أزمنة وأمكنة محددة ومن شخصيات مرسومة للممثلين ومن انفعالات مجسدة بصورة عامة غير ما تتمناه الروح الإنسانية الطليقة”.

ويؤكد أن ذلك كله يؤدي لأن تكون الدراما الإذاعية مطلباً لكلّ متذوق يعرف قيمة ما تقدّمه له من إثارة إيجابية محرضة على مشاركته في الإبداع الدرامي بكلّ حرية، ما يجعلنا نشدد على أهميتها بين أخواتها في المسرح والسينما والتلفزيون، وعلى بقائها فناً مستقلاً بهويته وأدواره وعلاقته المميزة بالجمهور فضلاً عما لها من حرية في الاستقبال بالزمان والمكان الذي يختاره المستمع كفن إذاعي يكون هو الأكثر مقدرة على الانتشار بين وسائل الاتصال الحديثة.

المستوى الفكري والإبداعي

الكاتب وليد خربوطلي يؤكد أن للكتابة الدرامية الإذاعية أهمية أدبية وفكرية وثقافية، فقد تميزت كبقية فنون الإبداع الأدبي وبقيت محافظة على مستواها الفكري والتراثي والإبداعي، منذ أن تأسست الإذاعة وحتى اليوم، مشيراً إلى أنها استمرت في تقديم التمثيلية التراجيدية والكوميدية والناقدة رغم الإمكانيات المتواضعة، فعالجت الكثيرمن القضايا التي تهم الناس على اختلاف مواقعهم ومشاربهم.

عن رحلة عمله يقول: “بعد أن عملت في الإذاعة كمذيع ومعدّ ومقدّم برامج بمختلف أنواعها، شاقني كتابة الدراما الإذاعية فكتب حوالي ثمانية عشر مسلسلاً وعشرين سهرة إذاعية، وبدأت بعد ذلك بكتابة اليوميات التي تهتم بمعالجة أمورالناس ومشكلاتهم، تحت عناوين مختلفة، منها (شي عجيب، بيني وبينك، هيك قالوا، كلمتين ورد غطاهن)، وآخرها كان بعد سقوط النظام البائد عبر مسلسل (يوميات من بلدنا) إخراج باسل يوسف”.

وفيما يتعلق بصعوبات العمل، يقول: “الكتابة الدرامية الإذاعية تحتاج إلى داعم حقيقي ومقومات، وأول شروط الدعم الأجور المادية التي تتناسب مع العمل الدرامي والإبداعي، سواء في مجال الكتابة أم التمثيل أم الإخراج، وقد عانينا في السابق كثيراً من قلّة الأجور وضآلتها، ورغم ذلك لم نتخلَ عن العمل”.

ويشير إلى أن دائرة الدراما الإذاعية تعتبر بيت الجميع، يقول: “هي الملجأ الوحيد لإبداعات كلّ هؤلاء الفنانين وخاصة الذين تخلى عنهم التلفزيون فلجؤوا إلى الإذاعة لكسب لقمة العيش، وهنا تكمن أهميتها”.

وينهي كلامه بالتأكيد على أهمية جذب كلّ المبدعين في هذا المجال، وتقديم كلّ مساعدة لهم، معرباً عن تفاؤله بالقادم.

يقول: “الأمل معقود في سوريا الجديدة، أن يكون هناك دعم حقيقي لهذا النوع من الإبداع والفن الفكري المتميز، بعد أن عانى ما عاناه تحت وطأة الضغوطات التي واجهها المبدعون والمتخصصون في ظلّ النظام البائد”.

آخر الأخبار
محافظ حلب : دعم القطاع التجاري والصناعي يشكل  الأساس في عملية التعافي د. الرداوي لـ "الثورة": المشاريع الكبرى أساس التنمية، والصغيرة مكمّلة مبادرة "تعافي حمص"  في المستشفى الجامعي اندلاع أكثر من عشرة حرائق في اللاذقية وإخماد ثلاثة منها حريق يستعر في حي "دف الصخر" بجرمانا وسيارة الإطفاء بلا وقود تسريع إنجاز خزان المصطبة لمعالجة نقص المياه في صحنايا صيانة 300 مقعد دراسي في مدرسة المتفوقين بحمص صيانة 300 مقعد دراسي في مدرسة المتفوقين بحمص معالجة التعديات على عقارات المهجرين.. حلب تُفعّل لجنة "الغصب البيّن" لجنة فنية تكشف على مستودعات بترول حماة الشمس اليوم ولاحقاً الرياح.. الطاقات المستدامة والنظيفة في دائرة الاستثمار صياغة جديدة لقانون جديد للخدمة المدنية ..  خطوة مهمة  لإصلاح وظيفي جذري أكثر شفافية "الشباب السوري ومستقبل العمل".. حوار تفاعلي في جامعة اللاذقية مناقشات الجهاز المركزي مع البنك الدولي.. اعتماد أدوات التدقيق الرقمي وتقييم SAI-PMF هكذا تُدار الامتحانات.. تصحيح موحّد.. وعدالة مضمونة حلاق لـ "الثورة": سلالم التصحيح ضمانة للعدالة التعليمية وجودة التقييم "أطباء بلا حدود" تبحث الواقع الصحي في درعا نهضة جديدة..إقبال على مقاسم صناعية بالشيخ نجار وزير الخارجية اللبناني: رفع العقوبات عن سوريا يساعدها بتسريع الإعمار ترميم قلعة حلب وحفظ تاريخها العريق