سوريا تصنع المستقبل.. نظام استثماري جديد يعيد رسم خريطة الصناعة ويطلق العنان لرؤوس الأموال

الثورة – ناديا سعود:

في ظل الحاجة الملحة لإعادة تنشيط عجلة الإنتاج وتوفير بيئة أكثر كفاءة وجاذبية للاستثمار، أعلنت وزارة الاقتصاد والصناعة عن نظام استثماري جديد لتنظيم عمل المدن الصناعية، يشكل نقلة نوعية في البنية التشريعية والبيئية المحيطة بالصناعة الوطنية.

النظام الجديد

لا يقتصر على تحديث الأطر الناظمة، بل يعكس تحوّلاً في الرؤية الاقتصادية، من خلال إدخال أدوات تحكيمية بديلة لتقليص زمن النزاعات القانونية، وتبني صيغ تمويل واستثمار حديثة كالـB.O.T، إضافة إلى الدفع باتجاه التحول الرقمي الكامل في إدارة المدن الصناعية.

هذا التحديث التشريعي يُنظر إليه كخطوة استراتيجية تهدف إلى إعادة تموضع سوريا كمركز صناعي إقليمي، وتعزيز قدرتها التنافسية في جذب الاستثمارات، في وقت تشهد فيه المنطقة سباقاً محتدماً نحو إعادة الإعمار والتنمية الصناعية المستدامة.

نقلة نوعية بين الخاص والعام

مدير المدن الصناعية في عدرا المهندس سامر السماعيل بين لـ”الثورة” أن نظام الاستثمار الجديد يمثل نقلة نوعية في العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص، حيث أعاد صياغة أسس التفاعل بين الطرفين على مبدأ التشاركية، مع منح صلاحيات أوسع للقطاع الخاص في الإدارة والتشغيل، بما ينسجم مع التوجهات الحكومية لتحفيز الإنتاج الصناعي ودفع عجلة التنمية.

وأوضح أن النظام الجديد اعتمد على حوكمة واضحة للعملية الاستثمارية، ما يسهم في الحد من الفساد الإداري وتعزيز العدالة، كما تم منح صلاحيات مباشرة لوزارة الاقتصاد والصناعة لاتخاذ قرارات استثمارية دون الحاجة للرجوع إلى عدة جهات وهيئات، ما يسرّع عملية اتخاذ القرار ويزيد من جاذبية البيئة الاستثمارية.

ومن أبرز الميزات التي يتضمنها النظام الجديد حسب السماعيل، تقديم إعفاءات جمركية وضريبية واسعة تشمل الآلات، المواد الأولية، وخطوط الإنتاج، إلى جانب مرونة في تخصيص المقاسم الصناعية، وتسعيرها وفق لجنة فنية سنوية وبالعملة الأجنبية (الدولار) لضمان الشفافية والعدالة.

كما تم إدخال لجان تحكيم داخل المدن الصناعية لتسوية النزاعات بشكل سريع وفعّال دون اللجوء إلى القضاء التقليدي، مشيراً إلى أن النظام يتيح أيضاً نماذج شراكة مبتكرة مثل PPP (الشراكة بين القطاعين العام والخاص) وBOT (البناء والتشغيل ثم نقل الملكية)، ما يُمهّد لتنفيذ مشاريع كبرى في مجالات البنية التحتية والطاقة.

ويُضاف إلى ذلك ضمانات مهمة للمستثمرين تشمل الحماية من التأميم، وحماية الاستثمارات من تغيير القوانين لمدة عشر سنوات، إلى جانب تسهيلات في حل النزاعات.

وفي سياق متصل، أشار إلى أن نظام الاستثمار الجديد يشكّل محطة مفصلية في انطلاقة الاقتصاد السوري، ويأتي في إطار رؤية تنموية تهدف إلى رفع القيمة المضافة للاقتصاد المحلي عبر دعم الصناعات المختلفة، بما يحقق تنمية متوازنة بين المحافظات، ويوفّر فرص عمل مستدامة، كما ويفتح النظام المجال واسعاً أمام رؤوس الأموال الوطنية والمغتربة، إلى جانب تفعيل الشراكات مع القطاع الخاص، ضمن بيئة استثمارية مرنة ومحكومة، كما يُعد فرصة ذهبية لأصحاب رؤوس الأموال المتوسطة، من خلال الحوافز الجمركية والضريبية، وإمكانية إعادة توزيع أو دمج المقاسم، ما يسمح بإنشاء خطوط إنتاج مركبة تحقق جدوى اقتصادية عالية.

وتمثل مدينة عدرا الصناعية القلب النابض لهذا النظام الاستثماري، إذ تشهد إقبالاً واسعاً من المستثمرين، حيث بلغ عدد الطلبات المقدمة 124 طلباً بمساحة تقارب 150 هكتاراً، لمشاريع تشمل صناعات استراتيجية في مؤشر واضح على الثقة المتزايدة بمستقبل الاستثمار الصناعي في سوريا.

في إطار الاستعداد لاستقبال هذا الزخم الاستثماري، يقول السماعيل: “تم تخصيص مساحات إضافية بنسبة 35 بالمئة من إجمالي مساحة المدينة لتلبية الطلب المتزايد”، مع منح أولوية في التخصيص للمشاريع الاستراتيجية، مثل الصناعات الثقيلة ومواد البناء وسحب الألمنيوم، كما تؤمّن المدينة الكهرباء على مدار الساعة، ما يضمن استقرار العمليات الإنتاجية، إلى جانب شبكات مياه وصرف صحي وهاتف مؤهلة.

وفي بادرة لتسهيل الإجراءات وتقليص الزمن اللازم للحصول على التراخيص، تم إنشاء مركز خدمات المستثمرين وفق مبدأ النافذة الواحدة، ويضم ممثلين عن مختلف الدوائر الحكومية، إلى جانب مديرية الصناعة، ويقدّم دعماً فنياً وإرشادياً للمستثمرين، مع توجه نحو تطويره ليشمل خدمات رقمية وتتبّع إلكتروني للطلبات بما يواكب التحول الرقمي في المدن الصناعية.

التغلب على تحديات الطاقة

وفي ضوء الطلب المتزايد على تخصيص المقاسم الصناعية، تعمل إدارة المدينة على تخديم منطقة التوسع الجديدة، وتُعدّ الخطط قائمة لاستملاك جزء من الأراضي ضمن المخطط التنظيمي التي كانت سابقاً مستملكة من قبل وزارة الدفاع.

كما تمكنت إدارة المدينة من تجاوز التحديات المرتبطة بالطاقة من خلال السماح للصناعيين بالاستثمار في مجال الطاقة، وإعادة تفعيل محطة المحروقات الخاصة بالمدينة لتأمين احتياجات المعامل من المازوت والبنزين، بالتعاون مع لجنة محروقات “سادكوب”، ويجري حالياً تأهيل شبكة المياه ومحطات الضخ والآبار المغذية.

وفي هذا الإطار، شدّد مدير المدينة الصناعية على أهمية إعادة تأهيل السكك الحديدية وإنشاء محطة نقل سككي خاصة بمدينة عدرا الصناعية، لما لذلك من دور في تسهيل نقل المواد الأولية والمنتجات وتخفيض التكاليف اللوجستية.

ويؤكد نظام الاستثمار الجديد أن مدينة عدرا الصناعية ستكون محوراً أساسياً في مرحلة إعادة الإعمار، ومرتكزاً لانطلاقة الصناعة السورية من جديد، خاصة مع التوسعات الجارية والاستعدادات الحكومية لتأمين كل ما يلزم من بنى تحتية وخدمات.

الاستثمار الفعال يتطلب تكاملاً

الصناعي محمد حلاق يرى أن البيئة الاستثمارية في سوريا لا يمكن فصلها عن منظومة التشريعات الناظمة للعمل الاقتصادي، مشدداً على أن الاستثمار الفعّال يتطلب تكاملاً تشريعياً يبدأ من لحظة دخول البضائع إلى البلاد، مروراً بعمليات التصنيع والتسويق، وصولاً إلى تقديم الدفاتر الضريبية والإجراءات القانونية المرتبطة.

وأوضح حلاق أن استقرار التشريعات عامل بالغ الأهمية، قائلاً: “لا يجوز أن نستيقظ صباحاً على تشريع جديد يربك بيئة الأعمال، بل يجب أن تكون القوانين قابلة للتطبيق وتؤسس لانطلاقة صحيحة ونهايات صحيحة للمشاريع الاستثمارية.

” وأضاف، إن التشوهات التي تعاني منها بيئة الأعمال حالياً ليست نتاج الحكومة الحالية، بل هي تراكمات لقرارات غير متكاملة اتخذتها حكومات سابقة.

أعرب عن أمله في أن تنجح الحكومة الحالية في تجاوز ما وصفه بـ”التعديل التشريعي المتسارع”، داعياً إلى الاستفادة من التشريعات التي كانت مطبقة قبل عام 2018، والتي وصف أغلبها بأنها جيدة وقابلة للتطبيق مع بعض التعديلات التفصيلية.

وأشار حلاق إلى أهمية دور مجلس الشعب أو أي مجلس تشريعي آخر في الدخول في تفاصيل القوانين والتشريعات وتحديثها بشكل سريع وفعّال، مؤكداً أن ذلك يعد مفتاحاً أساسياً لجذب الاستثمارات، مضيفا: سوريا تمتلك فرصاً استثمارية كثيرة، لكنها بحاجة ماسة لتحسين مناخ الاستثمار، ورفع مستوى الدخل لكل شرائح المجتمع، بدءاً من الموظف وصولاً إلى الصناعي ورجل الأعمال.

الاستثمار يبدأ من الداخل

وفي معرض حديثه عن أولويات الاستثمار، أكد حلاق أنه لا يعوّل على المستثمر الأجنبي بقدر ما يعوّل على المستثمر المحلي، مضيفاً: “المستثمر الداخلي هو الأدرى ببيئة العمل وبطبيعة القوانين والتشريعات، لديه فهم عميق للواقع، وهو الأقدر على التفاعل معه بشكل فعّال”.

ولفت إلى ضرورة توفير بيئة لتشجع المستثمر المحلي على توسيع أعماله أو إطلاق مشاريع جديدة، مؤكداً أن تحفيز هذا النوع من المستثمرين سيكون له أثر مباشر في تشجيع المستثمر الأجنبي على الدخول إلى السوق السورية.

ودعا حلاق إلى إحياء مفهوم “البرجوازية الوطنية”، مشيراً إلى أن هناك شريحة واسعة من السوريين تملك سيولة مالية كبيرة، لكنها غير مستثمرة في مشاريع إنتاجية، وقال: هناك من يملك 100 ألف أو حتى 500 مليون ليرة، لكن غياب الثقة ووضوح التشريعات يمنعهم من استثمار أموالهم.

المطلوب هو تشجيع هذه الفئة على تأسيس شركات مساهمة ومدرّة للدخل بدلاً من الاكتفاء بتخزين الذهب أو المال أو حتى الفكر.

آخر الأخبار
محافظ حلب : دعم القطاع التجاري والصناعي يشكل  الأساس في عملية التعافي د. الرداوي لـ "الثورة": المشاريع الكبرى أساس التنمية، والصغيرة مكمّلة مبادرة "تعافي حمص"  في المستشفى الجامعي اندلاع أكثر من عشرة حرائق في اللاذقية وإخماد ثلاثة منها حريق يستعر في حي "دف الصخر" بجرمانا وسيارة الإطفاء بلا وقود تسريع إنجاز خزان المصطبة لمعالجة نقص المياه في صحنايا صيانة 300 مقعد دراسي في مدرسة المتفوقين بحمص صيانة 300 مقعد دراسي في مدرسة المتفوقين بحمص معالجة التعديات على عقارات المهجرين.. حلب تُفعّل لجنة "الغصب البيّن" لجنة فنية تكشف على مستودعات بترول حماة الشمس اليوم ولاحقاً الرياح.. الطاقات المستدامة والنظيفة في دائرة الاستثمار صياغة جديدة لقانون جديد للخدمة المدنية ..  خطوة مهمة  لإصلاح وظيفي جذري أكثر شفافية "الشباب السوري ومستقبل العمل".. حوار تفاعلي في جامعة اللاذقية مناقشات الجهاز المركزي مع البنك الدولي.. اعتماد أدوات التدقيق الرقمي وتقييم SAI-PMF هكذا تُدار الامتحانات.. تصحيح موحّد.. وعدالة مضمونة حلاق لـ "الثورة": سلالم التصحيح ضمانة للعدالة التعليمية وجودة التقييم "أطباء بلا حدود" تبحث الواقع الصحي في درعا نهضة جديدة..إقبال على مقاسم صناعية بالشيخ نجار وزير الخارجية اللبناني: رفع العقوبات عن سوريا يساعدها بتسريع الإعمار ترميم قلعة حلب وحفظ تاريخها العريق