رولا عيسى:
في خطوة متجددة نحو إصلاح الاقتصاد السوري ودعم عملية إعادة الإعمار، أصدر رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع، سلسلة من المراسيم الاقتصادية التي تهدف إلى توفير إطار قانوني وتنظيمي جديد يعزز النشاط الاقتصادي ويشجع الاستثمارات المحلية والدولية.
صحيفة الثورة تابعت مراسيم السيد الرئيس أحمد الشرع، نظراً لأهميتها من حيث التوقيت وارتباطها المباشر بالاقتصاد الوطني.
وفي حديث مع دكتور الاقتصاد في جامعة دمشق والخبير الاقتصادي زياد عربش قال: تعدّ هذه المراسيم بمثابة حجر الزاوية لنهضة اقتصادية جديدة في مرحلة ما بعد الحرب، وهي تهدف إلى خلق بيئة استثمارية محفزة في ظلّ ظروف بالغة التعقيد، وتهدف هذه المراسيم الأربعة إلى استعادة توازن الاقتصاد الوطني، من خلال إنشاء مؤسسات استراتيجية وإجراء تعديلات على القوانين الاقتصادية الأساسية.
خطوات رئيسية
وعن مرسوم إحداث صندوق التنمية (مرسوم 112) يشير الدكتور عربش إلى أنه يشكل صندوق التنمية مؤسسة اقتصادية مستقلة تتبع مباشرة لرئاسة الجمهورية، ويهدف إلى دعم جهود إعادة الإعمار عبر ترميم وتطوير البنية التحتية وتمويل المشاريع الحيوية بالقرض الحسن، منوهاً بأن هذه الخطوة تمثل بداية عملية تعافي مهمة، إذ سيساهم الصندوق في توفير الأموال اللازمة لتمويل مشاريع إعادة بناء سوريا، من دون تحميل الحكومة عبئاً مالياً إضافياً من خلال القروض التقليدية ذات الفوائد المرتفعة.
وفيما يتعلق بإحداث الصندوق السيادي السوري (مرسوم 113)، بيّن أن الصندوق السيادي يأتي كأداة اقتصادية مستقلة، تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي، ويهدف إلى إدارة الأصول المالية للدولة بطريقة تضمن الاستدامة المالية.
هذا الصندوق سيشكل خزانة المال الوطنية التي من خلالها يمكن تمويل المشاريع التنموية، فضلاً عن إدارة الفوائض المالية بالشكل الأمثل لتجنب الأزمات المالية المستقبلية.
وحول إصدار قانون الاستثمار (مرسوم 114) يلفت دكتور الاقتصاد إلى أنه يتضمن هذا المرسوم تعديل بعض مواد قانون الاستثمار السوري، بما يسمح بتقديم تسهيلات أكبر للمستثمرين المحليين والدوليين، مبيناً أن التعديلات تشمل تحسين بيئة الأعمال وتبسيط الإجراءات البيروقراطية، وكذلك تقديم حوافز ضريبية لزيادة تدفق الاستثمارات، خاصة في القطاعات الحيوية مثل الطاقة والصناعة والزراعة.
وعن مرسوم تشكيل المجلس الأعلى للتنمية الاقتصادية (115) يقول: يهدف المجلس إلى الإشراف على تنفيذ خطة الدولة الاقتصادية وتنشيط الاستثمارات وتطوير الأنشطة الاقتصادية عبر تأطير استراتيجيات متكاملة.
المجلس سيعمل على وضع خارطة اقتصادية شاملة تتناغم مع الأهداف الكبرى لإعادة بناء الاقتصاد الوطني، مع التركيز على تحقيق الاستقرار الاقتصادي وضمان التنسيق بين مختلف الهيئات الحكومية.
ويؤكد أن إعادة الإعمار وتهيئة المناخ الاستثماري تواجهها العديد من التحديات والصعوبات على الرغم من الأهمية الكبيرة للمراسيم الأربعة، إلا أن نجاحها يتوقف على تجاوز عدة تحديات استراتيجية تتعلق بالتنفيذ والحوكمة ويقدم مقترحات تتضمن:
1- التنسيق الفعال بين المؤسسات، وينوه في هذا الاتجاه، بأنه من التحديات الكبرى التي تواجه تطبيق هذه المراسيم هو التنسيق بين أعضاء المجلس الأعلى للتنمية الاقتصادية، خاصة في ظل التداخل المحتمل في الصلاحيات بين المؤسسات الحكومية المختلفة، ويتعين على المجلس أن يعمل وفق آلية منفتحة على جميع الأطراف المعنية في المجتمع الاقتصادي، مع ضرورة متابعة تنفيذ الخطط بمؤشرات قياس واضحة لتقييم الأداء وتجنب تداخل السلطات.
2- الشفافية واتخاذ القرارات، يقول الدكتور عربش عن ذلك: يجب تمرير القرارات الاقتصادية عبر أجهزة الدولة العليا، مثل مجلس الشعب والجهاز المركزي للرقابة المالية، يتطلب ضمانات للشفافية والتوافق المجتمعي، إن اتخاذ قرارات استراتيجية دون أن تكون مشروعة وشفافة قد يؤدي إلى التفرد بالسلطات وإعاقة خطط التنمية.
3- تمويل التنمية واستدامة المشاريع: تظل مسألة التمويل المستدام من أبرز العقبات.
يمكن أن تصبح الأدوات التنموية مثل صندوق التنمية والصندوق السيادي عائقاً مالياً في حال عدم وجود مصادر تمويل واضحة ومستدامة، معتمدين على الاستثمارات الخارجية، ولاسيما من دول الخليج، وبيع أصول القطاع العام السوري، قد يتعرض الاقتصاد لمخاطر تتعلق بسيادة الدولة على ثرواتها وأصولها الحيوية.
4- أهمية الحوكمة والمراجعة المستقلة، هنا يعتبر الخبير الاقتصادي، أنه لضمان نجاح هذه المراسيم، من الضروري تطبيق آليات حوكمة فعالة تضمن الشفافية والمساءلة، كذلك أن يتم تعزيز دور المؤسسات الناظمة لمراقبة العمليات التنموية وتقديم تقارير مستقلة حول سير العمليات، والتعامل مع ملفات مثل الخصخصة أو استثمارات دولية يتطلب ضوابط حوكمة صارمة لتفادي الاستحواذ غير المشروع أو العمليات المشبوهة مثل غسيل الأموال.
5- الاستقرار السياسي والأمني، وعليه يقول الدكتور عربش إنه في المرحلة الحالية، يبقى الاستقرار السياسي والأمني أحد أهم العوامل التي تؤثر في ثقة المستثمرين، سواء المحليين أو الأجانب.. إن تزايد المخاطر الأمنية والسياسية في بعض المناطق قد يكون عائقاً أمام استثمار رأس المال اللازم لإعادة بناء سوريا.
6- تأهيل الكوادر البشرية، ويتحدث دكتور الاقتصاد عن أهمية تفعيل دور الكوادر البشرية المؤهلة يعد أمراً بالغ الأهمية، إذ يجب العمل على تدريب الكوادر المحلية، وجذب الكفاءات المهاجرة، لضمان إدارة فعّالة للمؤسسات الاقتصادية ومشاريع التنمية. إضافة إلى ذلك، يتعين تطوير برامج تدريبية متخصصة لضمان التوافق مع المعايير العالمية في إدارة الصناديق التنموية.
ختاماً..
لا شك أن المراسيم الاقتصادية التي أصدرها السيد رئيس الجمهورية تعد خطوة استراتيجية نحو إعادة بناء الاقتصاد السوري، وتوفير بيئة محفزة للاستثمار، ورغم التحديات الكبيرة التي قد تواجه تطبيق هذه المراسيم، من الضروري أن يتم تنفيذها بحوكمة رشيدة، مع التأكد من توفير مصادر تمويل مستدامة وشفافية في اتخاذ القرارات.
الأمل في أن تكون هذه الخطوات بمثابة محرك رئيسي للنمو الاقتصادي في سوريا، بما يساهم في استعادة الثقة وإعادة إعمار ما دمرته سنوات من الحرب.