الاغتراب.. أدبٌ قلق يشعل نار الأسئلة المتمرّدة

الثورة – رنا بدري سلوم:

لم يكن الاغتراب في يوم من الأيام بعيداً عن الإبداع، ولاسيما في الشعر، وحين نبحث في جذوته نجده ممتداً من الملك الضليل “امرؤ القيس” مروراً بالخنساء التي شكت شجر الخابور لأنه لم يشاركها حزنها السرمدي على أخيها صخر.

لا تزال إلى يومنا هذا تتقد جذوة الاغتراب وتزداد مع التيه الحضاري الذي سببته الفورة التقنية، ونجد هذا الاغتراب الروحي أكثر عند الشاعرات العربيات اللواتي تركن بصمة في المشهد الإبداعي المعاصر، ونقف عند ثلاث شاعرات لهن قصب السبق في ذلك.

اثنتان رحلتا، والثالثة أمد الله بعمرها ترفد المشهد الإبداعي العربي بالحقيقي والأصيل من الإنجاز المبدع.

نازك الملائكة وصرخة الرفض

لم تكن نازك الملائكة شاعرة وحسب، بل ناقدة ترفض اليباس والتجمد، تشعل نار الأسئلة من عمق إبداعها الحقيقي، وترى أن الإنسان المتكلّس على ذله كارثة وجوديّة يجب أن تنتهي “أنا لا أحب الخانعين، وعن قلق الوجود تقول في ديوانها “عاشقة الليل”:

شكوتُ إلى الریح وَحدةَ قلبي وطولَ انفرادي

فجاءت معطّرةً بأریجِ لیالي الحصادِ

ومن أجلِ قلبكِ وحدَكِ جئت الوجودَ الجمیلْ

ففیمَ العویل؟

وكم عصروا فی كؤوسِ التخيّل شهْدَ الوفاءْ

وراحوا على حُبّهم يُشْهدونَ نجومَ السماءْ

ووقْعَ الندَى فوق خدّ الصباح وصمْتِ المساءْ

وكم أقسموا بالهوى أنّهم أبداً أوفیاءْ

وأنّ الوجودَ یموتُ وحُبُّهُمُ للبقاءْ

وقالوا: هوى واحدٌ خالدٌ یتحدّى العَدَمْ

ويَرْضي الألمْ

وصدّقتُهُم ثم جاءَ المساء اللطیفْ

هنالكَ ذات دجى من أماسی الخریفْ

وساءلتُهُ أهْيَ حقٌّ رؤى العاشقینْ؟

فغمغمَ مستهزئَ النبراتْ.

” وبحسب الدراسات النقدية “فإن هذه القصیدة التي عنوانها “أنا ” تضمنت أسئلةً وجودية مقلقة، لعلّ أبرز ما یميزها حالة التّبرّم المتّسمة بظاهرة الحزن، وهي ظاهرة إنسانية خالصة عمّقتها ظروف الحیاة المعاصرة، فباتت هذه الظّاهرة علامة فارقة للشّعر العربيّ المعاصر، وقد تعاملت معها نازك الملائكة تعاملاً وجودياً خالصاً انطلاقاً من وعیها الشّعري ومن إحساسها المرهف بالوجع الإنساني.

فدوى طوقان والرحلة الأصعب

هذا الاغتراب الوجودي في الزمان منبعه القلق الوجودي الذي خبرته الشاعرة وهي تقرأ بروح الإنسان ما يعانيه الإنسان من تمزق الروح والاغتراب في المكان والزمان، إنه التيه الإنساني الذي لا دواء له إلا واحة الإبداع في الشعر والرواية والإبداع والقدرة على تمزيق وتعرية ستار الصمت المريب، كما فعلته فدوى طوقان في “الرحلة الجبلية.. الرحلة الصعبة” والتي تعد وثيقة مهمة في الأدب العربي، تصف فيها تجربة فريدة للمرأة العربية في مواجهة التحديات الاجتماعية والسياسية، متحدثة عن تجربتها في تحدي المجتمع الذكوري الذي كان يرفض أن يكون للمرأة رأي أو استقلالية، فاستطاعت التعبير عن الذات.

وتصف طوقان كيف سعت للتعبير عن ذاتها كشاعرة، على الرغم من الصعوبات والتحديات التي واجهتها، كما تصف فيها تجربتها كشاعرة ومناضلة فلسطينية.

ومما كتبت طوقان “حين يصل المرء إلى قاع هوة اليأس تدب فيه شرارة الحركة لتدفعه على العمل على الخروج من الهوة”.

سلمى حداد وأطراف الحريق

نجد الصيغة الإبداعية المبتكرة للاغتراب عند الشاعرة سلمى جميل حداد، ليس حريقاً عابراً يمكن إطفاؤه بالماء، بل هو حريق الأسئلة الوجودية الكبرى في كل ما أنجزته حداد من روايات وشعر.. انظروا معي إلى هذا العنوان “أتجاذب معك أطراف الحريق “إلى جديدها الذي صدر منذ فترة قريبة تحت عنوان “في القطار السريع إلى لا أدري”.

مجموعة شعريّة تطرح أسئلة القلق الوجودي في عوالم الصقيع الإنساني، الذي نظن أنه أصبح قرية واحدة فإذا به يجعلنا أكثر اغتراباً وقلقاً.. إنه البرد الوجودي ليس البرد الفيزيائي ولا شيء يمكن أن يكسره إلا إضرام نار الأسئلة.

تقول حداد:

بردٌ…

يتغلغل في مساماتي وفي نسيج الكون

بي توتر يضيء درب التبانة وضواحيها

توتر عالٍ..خطر الموت

أتقدم ببطء نحوي

توقفي!خطر الموت

كانت السماء شاحبة

وكان عمري يومها رقماً متعَباً

أتقدم ببطء نحوي

توقفي!خطر الموت

عيار ناري.. جثة على الأرض

لماذا أطلقتَ النار علي وأرديتني قبراً؟

أردتُ أن أحميكِ من خطر الموت

ومع أن القطار السريع قد يتوقف للحظات

ولكن رحلة الأسئلة لم ولن تتوقف:

يهبط القطار هبوطاً اضطرارياً

بلاغٌ عاجلٌ عن رأس يكاد ينفجر من التفكير

أنحني لألتقط ما وقع من رِباطة جأشي

فينهمر أصفرُ خدّي ليمونةً..

أشعر بالغثيان كمراكب هواة البحّارة

تنقبض مساماتي

ويُقعدني يباسٌ أنفه طويل كالخوف

ما كانت دمعتي يوماً أقرب لكنني تمردت..

آخر الأخبار
عبد الكافي كيال : صعوبات تعرقل إخماد حرائق جبل التركمان... واستنفار شامل دمشق تؤكد التزامها بإنهاء ملف الأسلحة الكيميائية.. حضور سوري لافت في لاهاي دمشق تنفي ما تداولته وسائل إعلام حول "تهديدات دبلوماسية" بحق لبنان من جديد .. محافظة دمشق تفعل لجان السكن البديل.. خطوات جديدة لتطبيق المرسوم 66 وتعويض أصحاب الحقوق رئيس مجلس مدينة كسب للثورة : البلدة  آمنة والمعبر لم يغلق إلا ساعة واحدة . إخماد حريقين في مشتى الحلو التهما  خمسة دونمات ونص من الأراضي الزراعية وزير الطوارئ :  نكسب الأرض تدريجياً في معركة إخماد الحرائق.. والغابات لم تُحسم بعد وفد من اتحاد الغرف التجارية وبورصات السلع التركي يلتقي الرئيس "الشرع" في دمشق الخضراء التي فتحت ذراعيها للسوريين.. إدلب خيار المهجرين الأول للعودة الآمنة باراك: لا تقدم في مفاوضات الحكومة السورية مع "قسد" و واشنطن تدعم دمجها سلمياً من  ألم النزوح إلى مسار التفوق العلمي..  عبد الرحمن عثمان خطّ اسمه في جامعات طب ألمانيا علما سوريا جيليك: نزع السلاح لا يقتصر على العراق.. يجب إنهاء وجود قسد  في سوريا رفع كفاءة الكوادر وتطوير الأداء الدعوي بالقنيطرة بين الصياغة والصرافة .. ازدواجية عمل محظورة وتلويح بالعقوبات نزهة الروح في ظلال الذاكرة.. السيران الدمشقي بنكهة الشاي على الحطب "تربية طرطوس": كامل الجاهزية لاستقبال امتحانات الشهادة الثانوية الغابات تحترق... والشعب يتّحد.. التفاف شعبي واسع لمواجهة حرائق الساحل وزير الطوارئ ومحافظ اللاذقية يستقبلان فرق مؤازرة من الحسكة والرقة ودير الزور سوريا تسعى لاستثمار اللحظة الراهنة وبناء شراكات استراتيجية تعكس تطلعات الشعب الاكتتاب على ١٢١ مقسماً جديداً في حسياء الصناعية