الثورة – لينا شلهوب:
حالمون بعبور هذه المحطّة الحاسمة إلى مستقبل أفضل، إذ سيتوجه آلاف طلاب البكالوريا النظاميين منهم والأحرارإلى قاعات الامتحان، مع حلول يوم السبت 12 تموز، لكن طريقهم إلى هذا اليوم لم يكن مفروشاً بالورود، بل مكلل بصعوبات نفسية ومادية تفوق في قسوتها رهبة الامتحان نفسه.
فرغم حالة التوترالطبيعي الذي يرافق أي امتحان مصيري، تفاجأ الكثير من طلاب الشهادة الثانوية الأحرار هذا العام، بتوزيعهم على مراكز امتحانية بعيدة جداً عن مناطق سكنهم، الأمر الذي أضاف عبئاً جديداً، لم يكن بالحسبان، على كاهلهم وكاهل ذويهم.
ذهاباً وإياباً وما بينهما
في حديث مع عدد من الطلاب، علي، وفارس، وممدوح، وهاني، إذ تكررت الشكوى ذاتها بقولهم: المسافة طويلة جداً، والمواصلات معقّدة ومكلفة، نحن سنضطر خلال أيام الامتحان لاستخدام ثلاث وسائل نقل صباحاً للوصول إلى المركز الامتحاني، وثلاث أخرى للعودة.
إذ إن بعض الطلاب يسكنون في ضواحي المدينة أو في مناطق ريفية، بينما تمّ تحديد مراكز امتحاناتهم في أحياء بعيدة في أطراف المدن أو في مناطق غير مأهولة بشكل كبير، ما يعني رحلة طويلة تبدأ من الفجر، ولا تنتهي قبل الظهر، في ظلّ درجات الحرارة المرتفعة، والازدحام، وانعدام الراحة.
يقول رامي، من الطلاب الأحرار، يسكن في الغوطة الشرقية- دير العصافير بريف دمشق، مركزي الامتحاني في حي بعيد عن سكني، أحتاج إلى ما لا يقل عن ساعة ونصف في الطريق، مع ثلاث مواصلات مختلفة، هل يُعقل أن أصل إلى الامتحان منهكاً ومتوتراً بدل أن أكون مركّزاً ومرتاحاً!؟.
الطالبة مرح أسعد بينت أنها تسكن في مشروع دمر بدمشق، وتمّ تحديد مركزها الامتحاني في منطقة كفرسوسة، فيما الوصول إلى المنطقة من مكان سكنها يحتاج إلى ستة سرافيس ذهاباً واياباً، وهذا سيرتب عليها مشقّة كبيرة وإرهاقاً، بالإضافة إلى الأعباء التي ستترتب على كاهل أسرتها، سواء مادياً أم من خلال تواجد أحد أفراد أسرتها معها، وهذا سيضاعف التكلفة المادية من جهة والضغط النفسي من جهة أخرى.
مغلوب على أمرهم
الأهالي أيضاً عبّروا عن استيائهم من هذا الوضع، ولاسيما أن معظمهم يعاني من ظروف معيشية صعبة، وأي نفقات إضافية تشكل عبئاً حقيقياً.
أم ليلى، والدة إحدى الطالبات، تقول بغصّة: نحسب تكلفة اليوم الواحد، نجد أن الطالبة تحتاج إلى ما يزيد عن 15 ألف ليرة للمواصلات فقط، غير الفطور والماء، خلال أيام الامتحان، وهذا سيكلفنا أكثر من 100 ألف ليرة، ونحن من أين نأتي بها؟!. نحن نكاد لا نغطي احتياجات البيت. لا يقتصر الأمر على التكلفة المادية فقط، بل يمتد إلى المعاناة النفسية والجسدية، إذ إن الاستيقاظ فجراً خلال أيام تقديم الامتحان، والتعب من التنقل، يؤثران سلباً على التركيز والأداء، خصوصاً أن هذه الامتحانات تتطلب أقصى درجات التركيز والحضور الذهني.
أسئلة تبحث عن إجابات
في ظلّ هذه المعطيات، يبرز سؤال جوهري: لماذا لم يُؤخذ موقع سكن الطلاب بعين الاعتبارعند توزيعهم على المراكز.. أليست هذه خطوة تنظيمية أساسية يمكن التخطيط لها مسبقاً؟!.
ألا تستحق هذه الشريحة من الطلاب، التي تخوض الامتحان بلا دعم مدرسي يومي، قدراً من التسهيل والرعاية في هذه الفترة الحساسة؟ أبو محمد، والد أحد الطلاب، يتساءل: لماذا لا يتم توزيع الطلاب الأحرار في مراكز أقرب أو ضمن نطاق منطقتهم؟ أليس من المنصف أن يكون لديهم فرص متكافئة مع الطلاب النظاميين من حيث الراحة والتركيز؟.
ليست جديدة..
لكنّها تتكرر ليست هذه المرة الأولى التي يشتكي فيها الطلاب الأحرار من بُعد المراكز الامتحانية، لكن يبدو أن الشكاوى تتكرر عاماً بعد عام من دون أن تلقى آذاناً صاغية أو حلولاً عملية.
تقول نور، طالبة (حرة): في العام الماضي واجهت نفس المشكلة، لم أكن أتناول فطوراً جيداً، وأحياناً أصل إلى الامتحان متأخرة، ما أثّر على أدائي، رغم أنني كنت أدرس بجد، وهذا الأمر ليس تافهاً كما يظنه البعض.
نداء مفتوح إلى الجهات المعنية
يتوجه الطلاب وذووهم بنداء صريح إلى وزارة التربية والتعليم والجهات المعنية، لإعادة النظرفي آلية توزيع المراكز الامتحانية لطلاب الشهادات الأحرار، بحيث يتم اعتماد مبدأ القرب الجغرافي من سكن الطالب قدر الإمكان، أو تأمين وسائل نقل جماعية مناسبة تضمن وصولهم براحة وأمان.
الامتحانات ليست اختباراً للعلم فقط، بل للقدرة النفسية والجسدية على التحمل، والطلاب الأحرار، الذين غالباً ما يحملون أعباء إضافية، لا يستحقون أن يكون الطريق إلى مستقبلهم محفوفاً بالإرهاق والتعب قبل حتى أن تبدأ التحدي الحقيقي داخل القاعة.