الثورة – إيمان زرزور:
لطالما اقترن هدير المروحيات في ذاكرة السوريين بالموت والدمار، فكانت مقدمة للبراميل المتفجرة التي تمطر المدن وتُغرق الأحياء في الرعب والدموع، لكن مشهد الطائرات المروحية التي حلّقت مؤخراً في سماء اللاذقية يحمل دلالة مختلفة، ورسالة مغايرة تماماً: فهذه الطائرات لم تأتِ بالحرب، بل جاءت بالماء.
للمرة الأولى منذ سنوات الحرب، ينظر السوريون إلى السماء دون خوف، المروحيات التي كانت تهبط على رؤوسهم ناراً، تطير اليوم فوق الجبال لتطفئ النيران التي التهمت مساحات شاسعة من الغابات في محافظة اللاذقية، كانت هذه المروحيات حاضرة بقوة ضمن الجهود المشتركة لإخماد الحرائق، محمّلة بصهاريج الماء بدلاً من البراميل المتفجرة.
لقد شهد السوريون تحولاً لافتاً في الوظيفة والمعنى: الآلة العسكرية التي كانت ترمز للقمع والدمار باتت تُستخدم لإنقاذ الطبيعة والناس، هذا التغيير لا يمثل مجرد إجراء تقني، بل انعكاس لتحوّل أعمق تعيشه البلاد بعد سقوط النظام السابق، من آلة حرب إلى دولة تُعيد توجيه أدواتها نحو حماية الحياة.
المشهد مؤثر بكل ما فيه: مروحية تحلّق على ارتفاع منخفض، ترصد بؤر النيران، ثم تُفرغ حمولتها من المياه لتمنع امتداد اللهب، وسط الدخان المتصاعد من الغابات، ترتسم ملامح أمل جديد، وتُكتب لحظة نادرة من التصالح بين المواطن والطائرة.
الحرائق الأخيرة في ريف اللاذقية، والتي أتت على أكثر من 15 ألف هكتار، شكلت اختباراً قاسياً للبنية التحتية والقدرة على الاستجابة، لكن المشاركة الجوية في الإطفاء، إلى جانب فرق الدفاع المدني والإطفاء العربية، أعادت التأكيد على قدرة السوريين على تجاوز المحن حين تتضافر الجهود.
وبين الأمس واليوم، تتغير الرموز وتتبدّل المعاني، الطائرات التي كانت تطارد الناس، باتت تطارد النيران.
هديرها لم يعد نذير خراب، بل بشارة نجاة في بلد أنهكته سنوات الحرب، لا شيء أكثر أهمية من أن يتحوّل السلاح إلى وسيلة حياة، والطائرة من وسيلة قصف إلى أداة إنقاذ، إنها رسالة تقول بوضوح: سوريا تتعافى، والمستقبل ليس للبارود، بل للماء، والنور، والحياة.