الثورة – ترجمة ختام أحمد:
تدخل سوريا حقبةً اقتصاديةً تحولية، ولأول مرة منذ ما يقرب من عقدين، ألغت الولايات المتحدة – بقيادة الرئيس دونالد ترامب – عقوباتٍ اقتصاديةً كبيرةً على دمشق، مما يُشير إلى تحوّلٍ جذريٍّ في سياستها.
هذا الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب الشهر الماضي يفتح الباب أمام تدفقاتٍ ماليةٍ واسعة النطاق، وتطبيعٍ تجاريٍّ، وإعادة اندماجٍ في الأسواق العالمية. وحذت دول أخرى حذو واشنطن، فرفعت بالفعل عقوباتها أو تستعد للقيام بذلك. ويشمل ذلك تخفيف القيود على الأنظمة المصرفية، ورفع الحظر على الوصول إلى نظام سويفت (شبكة الرسائل العالمية للمعاملات المالية العابرة للحدود)، وتمهيد الطريق للتجارة والاستثمار القانونيين داخل سوريا وخارجها.
يُحدث إلغاء العقوبات الأميركية تغييراً جذرياً في المشهد الاقتصادي السوري. بالنسبة للمؤسسات الحكومية، تعني هذه الخطوة الوصول إلى الشبكات المالية الدولية، واستعادة الاحتياطيات الأجنبية، والقدرة على تلقي مساعدات التنمية، والحصول على قروض من البنوك الدولية والمؤسسات متعددة الأطراف مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
قد يُفرج الآن عن الأصول المجمدة سابقاً، مما يمنح الدولة السورية والبنك المركزي فرصةً لاستقرار العملة، وإطلاق مشاريع البنية التحتية الوطنية، وجذب رؤوس الأموال لإعادة إعمار المناطق التي مزقتها الحرب. ويمكن للوزارات المحلية الآن توقيع اتفاقيات تعاون مع حكومات وشركات أجنبية دون خوف من العقوبات الدولية التي شلت الاستثمار العام لسنوات.
بالنسبة للشعب السوري، من المتوقع أن يُحدث هذا التغيير تحسناً ملموساً في حياته اليومية. فالسلع الأساسية التي كانت محدودة أو باهظة الثمن بسبب العقوبات – مثل المعدات الطبية ومواد البناء والآلات الصناعية – أصبحت الآن تتدفق بحرية أكبر. وهذا لن يُحسّن أنظمة الرعاية الصحية والتعليم فحسب، بل سيُخفّض أيضاً تكاليف الغذاء والوقود والسكن.بالإضافة إلى ذلك، مع تشجيع الشركات الأجنبية على الاستثمار وفتح فروع لها، ستزداد فرص العمل.
وقد يفكر العديد من السوريين الذين هاجروا بسبب الضائقة الاقتصادية في العودة إذا استقرت الأوضاع الاقتصادية. ومع استعادة إمكانية الوصول إلى الخدمات المصرفية الدولية ومنصات الدفع الرقمية، ستصبح التحويلات المالية من الشتات السوري أسهل وأقل تكلفة، مما يوفر شريان حياة مالياً حيوياً لملايين العائلات.
إن الآثار المترتبة على الشركات العالمية والمستثمرين الأجانب والمؤسسات المالية بالغة الخطورة. لسنوات، كان التعامل التجاري مع سوريا يُشكل خطراً قانونياً . ومع رفع العقوبات، أصبح بإمكان الشركات من أوروبا وآسيا والخليج، وحتى أمريكا الشمالية، إبرام عقود وتكوين شراكات وفتح مشاريع مشتركة مع كيانات سورية بشكل قانوني.
من المتوقع أن تكون الشركات متعددة الجنسيات الكبرى من أوائل الشركات التي تدخل السوق، لاسيما في قطاعات مثل الطاقة والبناء والخدمات اللوجستية والاتصالات. علاوة على ذلك، فإن إعادة ربط البلاد بشبكة سويفت تعني إمكانية إجراء المعاملات المصرفية عبر الحدود، وخطابات الاعتماد، والمدفوعات الرقمية بكفاءة. وهذا يُخفف من الاحتكاك التشغيلي والغموض القانوني اللذين كانا يُثبطان الاستثمارات الأجنبية سابقاً.
في الوقت نفسه، يُتيح العصر الجديد فرصاً نادرة للأفراد والشركات الصغيرة ورواد الأعمال الناشئين في الخارج. سواءً كانت مقراتها في تركيا أو الإمارات العربية المتحدة أو أوروبا أو أي مكان آخر، يُمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة الآن تصدير منتجاتها إلى سوريا، وفتح امتيازات تجارية، أو توريد سلع لمشاريع إعادة الإعمار والتنمية. ومن المرجح أن يستفيد المستثمرون الذين يدخلون السوق بسرعة من مزايا الريادة في القطاعات غير المتطورة.
كل هذا يُتيح فتح سوق واسعة وغير مستغلة إلى حد كبير. فالاقتصاد السوري، رغم تضرره جراء أكثر من عقد من الحرب، لايزال يحتفظ بثروات طبيعية واستراتيجية مهمة. ومع ناتج محلي إجمالي يُقدر بنحو 21 مليار دولار هذا العام، من المتوقع أن يشهد السوق السوري نمواً هائلًا بفضل الاستثمارات الخارجية.بفضل موقعها الاستراتيجي بين الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا، إذ تُعدّ سوريا مركزاً رئيسياً للتجارة الإقليمية. وتُمثّل أراضيها الزراعية الخصبة، واحتياطياتها من الغاز الطبيعي، ومناجم الفوسفات، وقوتها العاملة الماهرة، إمكاناتٍ طويلة الأمد حُجبت في ظلّ العقوبات. ومع ترسيخ الاستقرار، وتقدّم إعادة الإعمار، قد تتضاعف قيمتها السوقية مرتين أو ثلاث مرات خلال العقد المقبل.
إن رفع العقوبات الأميركية، وما تبعه من تطبيعٍ دولي، يُمثل إشارةً لمجتمع الأعمال العالمي بأن سوريا مفتوحةٌ للاستثمار. ورغم استمرار التحديات، بما في ذلك عدم الاستقرار السياسي وفجوات البنية التحتية، إلا أن الفرص التأسيسية لا تُنكر.
بمزيجٍ مُناسب من الرؤية والحذر والمشاركة الاستراتيجية، قد تُصبح سوريا إحدى أكثر الأسواق الناشئة ديناميكيةً في الشرق الأوسط خلال العقد المُقبل. وبالنسبة للمستثمرين والشركات الراغبة في قيادة هذا المسار، قد تكون المكافآت كبيرة – ليس فقط من حيث الأرباح، بل أيضاً في المساعدة على إعادة بناء بلدٍ حُرم طويلاً من الكرامة الاقتصادية.
المصدر _ ArabNews