الثورة- منذر عيد:
لقد أثبتت الأحداث الأخيرة في محافظة السويداء، بما لا يدع مجالًا للشك أن وجود مؤسسات الدولة الأمنية والخدمية على حد سواء، ليس خياراً بل ضرورة وطنية لا غنى عنها، فغياب هذه المؤسسات ولو جزئيًا يفتح الباب أمام الفوضى، ويعرّض المواطنين لمخاطر داخلية وخارجية، لا يمكن مواجهتها إلا من خلال مؤسسات قوية فاعلة، حاضرة في حياة المواطن اليومية، توفر الأمن وتقدم الخدمات وتُعزز الانتماء الوطني.
فقد ظهرت مؤشرات الانفلات بالظهور وعلى نحو متسارع على مدى أسبوع مضى، وسط غياب مؤسسات الدولة في حفظ الأمن وتطبيق القانون، ما أفسح المجال أمام جماعات مسلحة، بعضها ذو طموحات انفصالية، للتمدد وفرض سلطتها بقوة السلاح، وفي غياب سلطة مركزية رادعة، تحولت تلك الجماعات إلى أدوات للفوضى والانتهاكات، محولة المطالب المشروعة لأهالي السويداء إلى شعارات مشوهة بفعل العنف والانتهاكات.
وقد ساهم هذا الوضع المتأزم في خلق بيئة خصبة لتصاعد التوترات الطائفية والاجتماعية، خصوصاً مع استهداف أبناء العشائر والبدو في هجمات انتقامية حملت نذر فتنة أهلية هددت السلم المجتمعي في المحافظة.
ولطالما كانت السويداء رمزاً للعيش المشترك، لكن استمرار الفراغ الأمني هدد بتحطيم هذه القيم، دفع باتجاه مواجهات داخلية خطيرة كان من الصعب احتواءها لولا حكمة الدولة، وحرصها على أبناء الشعب السوري.
إن ما شهدته السويداء يجب أن يكون جرس إنذار للجميع، حيث لا يمكن بناء وحدة الدولة والاستقرار بالاستقواء بالخارج أو الارتهان لأجندات لا تمت للمصلحة الوطنية بصلة، فكل تجارب التاريخ، القريب والبعيد، تُثبت أن الاعتماد على الخارج لا يجلب سوى المزيد من الانقسام والدمار، الأمر الذي أكده الرئيس أحمد الشرع في كلمة بعد إعلان وقف إطلاق النار في السويداء أمس بقوله ” إن الاستقواء بالخارج واستخدام بعض الأطراف الداخلية للسويداء كأداة في صراعات دولية لا يصب في مصلحة السوريين بل يفاقم الأزمة، لافتاً إلى أن الدولة السورية هي وحدها القادرة على الحفاظ على هيبتها وسيادتها في كل بقعة من الأراضي السورية”.
اليوم، نحن أمام مفترق طرق حقيقي، والمرحلة المقبلة تتطلب من الجميع- بمختلف طوائفهم وانتماءاتهم- الوقوف صفاً واحداً خلف الدولة، وتغليب المصلحة الوطنية على أي اعتبارات ضيقة، فالوحدة الوطنية لا تكون بشعارات مجردة، بل بتكاتف أبناء الشعب، والتزام الدولة بالوقوف على مسافة واحدة من جميع مكوناتها دون تمييز، إذ إن الدولة العادلة والقوية، التي تحترم جميع أبنائها وتوفر لهم الأمن والعدالة والكرامة، هي وحدها القادرة على إنهاء الأزمات وبناء مستقبل يليق بسوريا وأبنائها.
وفي هذا السياق لفت الرئيس الشرع إلى أن الوقائع تؤكد أن سوريا ليست ميداناً لتجارب مشاريع التقسيم أو الانفصال أو التحريض الطائفي، مؤكداً على أن قوة الدولة السورية تنبع من تماسك شعبها ومتانة علاقاتها الإقليمية والدولية وترابط مصالحها الوطنية.
إن إعادة مؤسسات الدولة إلى السويداء ليست ترفاً سياسياً أو مطلباً مناطقياً، بل ضرورة وطنية لحماية السلم الأهلي، والحفاظ على وحدة سوريا من مخاطر الانقسام والتشرذم، فما بين مطرقة الانفلات وسندان الغياب، تبقى الدولة- بمؤسساتها الأمنية والإدارية والقانونية- الأمل الوحيد لإخراج المحافظة من نفق الفوضى، وصيانة مستقبلها ضمن الوطن السوري الواحد.