الثورة :
أعلنت اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق، اليوم الثلاثاء، نتائج عملها بشأن أحداث الساحل السوري، بعد أربعة أشهر من التحقيقات المكثفة، كاشفة عن حجم الانتهاكات التي ارتكبتها مجموعات مسلحة مرتبطة بنظام الأسد البائد، والمعروفة إعلاميًا باسم “الفلول”، والتي بدأت هجماتها الواسعة في السادس من آذار/مارس الماضي، وأسفرت عن مقتل 238 عنصغرا من الجيش والأمن، إضافة إلى مئات الضحايا المدنيين.
وأكد المتحدث باسم اللجنة، خلال مؤتمر صحفي في العاصمة دمشق، أن اللجنة عملت وفق معايير الاستقلالية والشفافية، وأجرت مشاورات رفيعة مع جهات دولية، شملت مكتب المبعوث الأممي، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، ومنظمتي “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية”، مع الحفاظ على سرية بعض الشهادات بناء على طلب أصحابها، وحصر أسماء المشتبه بهم بالأطر القضائية المختصة.
وكشف التقرير أن المجموعات المسلحة سيطرت بشكل جزئي أو كلي على عدد من البلدات والقرى في الساحل، في محاولة لعزل المنطقة عن الدولة بدعم خارجي وبنية تنظيمية واضحة، واستهدفت مقرات أمنية وعسكرية، ومرافق طبية، ما أدى إلى تدمير ستة مستشفيات بالكامل، ومقتل عدد من الجرحى والأسرى.
بحسب المعطيات التي أوردها التقرير، تم تدوين 930 إفادة، والتحقق من 1426 حالة وفاة، من بينهم 90 امرأة، إضافة إلى 20 مفقودًا، بينهم مدنيون وأفراد من القوات الحكومية. كما جمعت اللجنة قرائن ضد 265 شخصًا من “الفلول”، وتم توثيق أسماء 298 مشتبهًا بضلوعهم في انتهاكات، أُحيلت لائحتان باسميهم إلى النائب العام السوري.
وأشار التقرير إلى أن أكثر من 200 ألف مقاتل تحركوا من مختلف المناطق لاستعادة السيطرة على الساحل، إلا أن الفوضى التي خلّفها استهدافهم من قِبل “الفلول” تسببت بوقوع تجاوزات أثناء عمليات المداهمة، لاسيما بين 7 و9 آذار، رغم صدور أوامر رئاسية ووزارية صارمة بالالتزام بالقانون.
وأظهرت إفادات الشهود تفاوتًا كبيرًا في سلوك القوات المشاركة، إذ تعامل بعض العناصر باحترام مع السكان، بينما ارتكب آخرون انتهاكات جسيمة، ما دفع اللجنة للترجيح بأن الانتهاكات لم تكن ممنهجة بالكامل.
وأوضح التقرير أن بعض الانتهاكات وقعت بدوافع ثأرية لا أيديولوجية، وتورطت فيها عصابات انتحلت صفات أمنية، بينما تركزت التجاوزات في القرى الواقعة على الطريق الدولي، والتي استخدمتها “الفلول” لتنفيذ هجمات، بحسب شهادات ذوي الضحايا.
كما رصد التقرير ارتياحًا نسبيًا من السكان لسلوك عناصر الأمن العام، مقابل انتقادات موجهة لسلوك بعض الفصائل غير المنضبطة، وأكد أن سيطرة الدولة على الأرض كانت جزئية في ظل فراغ أمني خلفه حل جيش النظام السابق، وعدم اكتمال اندماج الفصائل المسلحة ضمن وزارة الدفاع.
في ختام التقرير، أعلن رئيس اللجنة، القاضي جمعة العنزي، سلسلة توصيات، على رأسها، بالإسراع في تنفيذ خطة وزارة الدفاع لضبط السلاح، وتفعيل لائحة قواعد السلوك الأمني ومنع بيع الزي العسكري، وتعزيز برامج السلم الأهلي وملاحقة قادة “الفلول” الفارين.
وطالب بمواءمة النظام القضائي مع المعايير الدولية والتوقيع على اتفاقية منع الاختفاء القسري، وإطلاق هيئة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان، وبرامج جبر الضرر وتعويض الضحايا، وكفالة الرقابة على الخطاب الإعلامي لمنع التحريض الطائفي والعنف.
في ختام المؤتمر، أعلن القاضي جمعة العنزي انتهاء مهام اللجنة، مؤكدًا أن السلطة القضائية ستتولى الآن متابعة المشتبه بهم وملاحقتهم قضائيًا، مشددًا على التزام الدولة السورية الجديدة بمسار العدالة والمحاسبة، وحرصها على عدم تكرار هذه الانتهاكات مستقبلًا.