قدمت أبناءها الأربعة قرباناً لثورة الحرية والكرامة.. “خنساء الزبداني”.. حكاية الأمهات المرابطات على ثغور الصبر
الثورة – فردوس دياب:
على قيد الذاكرة، تعيش السيدة حميدة محمد على أطلال الوجع الذي حفر عميقاً في روحها وجسدها وترك تفاصيل لا تمحى في مفازات وجهها التي تروي حكاية ألم لا تنتهي. هي واحدة من آلاف وملايين القصص التي جسدت صورة الوجع السوري خلال سنوات الثورة الأربع عشرة.
بحجم وطن “خنساء الزبداني” كما باتت معروفة بالمدينة المنكوبة التي دمرها النظام المخلوع.. لم تكن مجرد امرأة عادية، بل كانت امرأة بحجم وطن، وطن انتفض على الظلم والقهر، وقرر استعادة حريته وكرامته، وطن بذل أغلى ما يملك ليدحر الطغيان والاستبداد. حميدة محمد (أم شارل)، قدمت أبناءها الأربعة قرباناً لثورة الحرية والكرامة، إيماناً منها أن الأرض لن تتحرر من الطغاة، إلا إذا ارتوت من دماء أبنائها.
تجسد حكاية من حكايات أمهات سوريا اللاتي لا يزلن يرابطن على ثغور الصبر والإيمان، يزرعن في شرفات الغياب، الصبر مكان الوجع، والحضور مكان الغياب، والأمل مكان الألم، في مشهد يصعب فيه على الأحداق مقاومة الدموع المنهمرة بغزارة على خدود الكلمات والحروف.
خنساء الزبداني، وبكبرياء الثورة، تروي كيف استشهد أبناؤها الأربعة: “كان ابني يحيى حسين رحمة، أول شهيد في العائلة، وثالث شهيد في مدينة الزبداني، وبدأ مسيرته نحو الشهادة من خلال مشاركته بالمظاهرات ضد النظام المخلوع، وعندما بدأ الكفاح المسلح للدفاع عن الزبداني، شارك مع الثوار بالدفاع عن المدينة فيما سمي بـ”معركة الجبل”، لكن قوات النظام البائد استطاعت اعتقاله مع عشرات الثوار، وقامت بتعذيبه إلى أن استشهد تحت التعذيب في معتقلات النظام البائد، وسلم لنا جثة هامدة بعد 37 يوماً من اعتقاله.
وجع الفراق
أما الشهيد الثاني، فهي ابنتها دنيا، التي استشهدت في محافظة إدلب، والتي كانت أماً لثلاثة أطفال، حيث تم استهداف منزلها من قوات النظام بالبراميل المتفجرة التي حولتها إلى قطع وأشلاء. وتتابع حميدة محمد الحديث عن شهيدها الثالث، ابنها البكر شارل، الأب لأربعة أطفال، والذي استشهد عام 2015 خلال إسعافه لأحد جرحى الثوار، حيث قامت طائرات النظام بقصفهم، وأصابتهم بشكل مباشر، ما أدى لاستشهاده مع عشرات الثوار على الفور.
خنساء الزبداني، كانت أقوى من الحزن، وأصلب من وجع الفراق، فد احتسبت أبناءها شهداء عند ربهم، على أمل اللقاء بهم في جنة عرضها السموات والأرض، لكنها لم تكد تلملم حزنها ودموعها، حتى فاجأها بفراقه الأصعب، من بقي وحيداً معها يشاطرها الحزن والوجع، إنه ابنها فايز، ما تبقى لها من الدنيا، بعد استشهاد إخوته الثلاثة واعتقال أخيه الأصغر محمد.. فايز لم يتحمل الحزن والوجع، كما والدته، هزمه الحزن، فقد داهمته أزمة قلبية بعد أسابيع من استشهاد إخوته، ولم يتمكن أحد من إسعافه إلى المستشفى بسبب القصف الكثيف لقوات النظام المخلوع على مدينة الزبداني.. فايز رحل تاركاً وراءه أمه وحيدة في معركة الصبر والوجع، تنتصر مرة تلو المرة، في حياة لم يعد لها طعم بفراق الأحبة وغياب الفرح.