هل حان وقت الإصغاء؟ التربية العكسية.. حين يعلّم الأبناء آباءهم

الثورة – رغدة خويص:

لأجيال طويلة ظلت الأسرة تدار بمنطق التسلسل الهرمي الصارم، يعلم الكبار ويصغي الصغار.. ولكن في عصر المعرفة الفورية والتكنولوجيا المتغيرة بات هذا النموذج بحاجة إلى مراجعة، بل وإعادة تعريف.

وسط هذا التحول برز مفهوم “التربية العكسية” الذي يقوم على مبدأ التعلم المتبادل بين الآباء والأبناء، ويعيد تشكيل العلاقة التربوية التقليدية لتصبح أكثر إنسانية وتشاركية.

التربية العكسية

التربية العكسية (Reverse Parenting) هي أسلوب تربوي حديث يفتح المجال للأبناء ليكونوا شركاء فاعلين في بناء المعرفة داخل الأسرة، لا يقتصر الأمر على تعليم الأهل من قبل أبنائهم في المجال التقني فقط، بل يمتد إلى المهارات العاطفية والاجتماعية، وحتى التعامل مع مفاهيم حديثة قد تكون جديدة على الأجيال الأكبر.

ليست المسألة فيمن يملك “المعرفة الأكبر”، بل في الاعتراف بأن لكل جيل أدواته ومهاراته، وأن الإصغاء المتبادل بين الآباء والأبناء ينتج فهما أعمق وأكثر واقعية لمتطلبات الحياة الحديثة.
لماذا نحن بحاجة إليها؟

يواجه الآباء اليوم تحديات غير مسبوقة في تربية الأبناء، في ظل الطفرات المعرفية والتكنولوجية المتسارعة، وتغيرات المجتمع المتلاحقة، وهنا تبرز التربية العكسية كوسيلة لبناء جسر معرفي وإنساني بين الأجيال.

انفجار المعرفة الرقمية.. الأبناء اليوم يتعاملون مع أدوات ومفاهيم يومية لا يجيدها كثير من الآباء، مثل التطبيقات، والذكاء الاصطناعي، والوسائط الرقمية.

تطور الوعي العاطفي

الأجيال الجديدة أكثر قدرة على التعبير عن مشاعرها ووعيها النفسي بفضل التغيرات في المناهج والبيئة الإعلامية ما يتيح فرصاً للتواصل أعمق مع الأهل.

الفجوة الثقافية المتسعة.. من اللغة إلى الموضة، ومن القيم إلى المواقف يختلف الأبناء عن آبائهم بشكل لافت، ويصبح من الضروري تبني أسلوب يقرب وجهات النظر بدلاً من فرض الأحكام.

توازن بين السلطة والثقة

يرى اختصاصي في الإرشاد النفسي منير مهدي أن التربية العكسية لا تعد مجرد نمط تربوي جديد، بل هي استجابة طبيعية لتحولات العصر، إذ أصبحت العلاقة بين الآباء والأبناء أكثر انفتاحاً وتفاعلاً.

من أهم فوائد التربية العكسية- برأي مهدي- أنها تمكن الأبناء من تعلم مهارات حياتية أساسية مثل القيادة، وتحمل المسؤولية واتخاذ القرارات والقدرة على التفاوض والتعاون وإدارة الخلافات، وهذا لا يحدث تلقائياً، بل من خلال مساحة آمنة يمنح فيها الأبناء الثقة ليعبروا عن أنفسهم، وليشعروا أن رأيهم مسموع ومقبول داخل الأسرة.

ويضيف: إن هذا النموذج لا يقلل من دور الأهل بل يفتح أمامهم باباً للتطور والنمو من خلال التعلم من أبنائهم، خصوصاً في الجوانب التقنية والاجتماعية والنفسية، إذ أصبح الأبناء أكثر وعياً بالقضايا النفسية وبالذكاء العاطفي وبالتغيرات الاجتماعية.

ولفت إلى أن التربية العكسية تساعد الأهل على إدراك الخصائص النفسية والفكرية لكل مرحلة عمرية يمر بها أطفالهم، مما يمنحهم مرونة تربوية أعلى داخل البيت، ويعزز الاحترام المتبادل، ويشدد على أن الأطفال الذين يشعرون أن آراءهم تحترم يصبحون أكثر وعياً بذاتهم، وأكثر قدرة على اتخاذ قراراتهم بثقة من دون خوف من الرفض أو الحكم المسبق.

ويؤكد مهدي أن الفائدة لا تتوقف عند الأبناء، بل تمتد أيضاً إلى الأهل، إذ تساعدهم التربية العكسية على فهم واقع أبنائهم بشكل أعمق مما يسهم في نموهم الشخصي وقدرتهم على التكيف مع التغيرات التكنولوجية والاجتماعية المعاصرة، ويضرب مثالاً حول ذلك، “حين يساعد الأبناء آباءهم في فهم أدوات التكنولوجيا والتواصل الحديثة، فهم لا ينقلون فقط معلومة، بل يسهمون في تقليص الفجوة الثقافية بينهم، وخلق لغة حوار مشتركة داخل البيت.

“كما يرى أن هذا النمط التربوي يعزز لدى الطرفين القدرة على التكيف مع تحديات الحياة المعاصرة، مثل قبول الفشل والتعامل مع الضغوط النفسية، والاعتراف بأن الكمال غير موجود، وأن الخطأ جزء طبيعي من عملية النمو.

ويختتم مهدي حديثه بالقول: إن “التربية العكسية تعيد تعريف العلاقة بين الأهل وأبنائهم على أساس من التفاهم والمرونة والاحترام.

إنها ليست ثورة على دور الأهل، بل هي دعوة لتجديد هذا الدور، ليبقى فاعلاً ومؤثراً في عالم يتغير باستمرار.

وبالتالي فالأب المثالي ليس معصوماً، والتربية العكسية ليست تمرداً على السلطة الأبوية، بل تطور طبيعي في بيئة تتغير كل لحظة، أن تتعلم من ابنك لا يعني أنك فقدت دورك، بل يعني أنك تثق وتؤمن أن التربية الناجحة لا تقوم على السيطرة بل على الحوار والاحترام والإنصات المتبادل.

في النهاية.. الأبناء لا يريدون آباءً مثاليين، بل قادرين على التعلم والنمو معهم لا فوقهم.

آخر الأخبار
توقيع عقود تصديرية.. على هامش فعاليات "خان الحرير- موتكس"     تشكيلة سلعية وأسعار مخفضة.. افتتاح مهرجان التسوق في جبلة السياحة تشارك في مؤتمر “ريادة التعليم العالي في سوريا بعد الثورة” بإستطاعة 100ميغا.. محطة للطاقة المتجددة في المنطقة الوسطى "خان الحرير - موتكس".. دمشق وحلب تنسجان مجداً لصناعة النسيج الرئيس الشرع أمام قمة الدوحة: سوريا تقف إلى جانب قطر امتحان موحد.. "التربية" تمهّد لانتقاء مشرفين يواكبون تحديات التعليم خبير مالي يقدم رؤيته لمراجعة مذكرات التفاهم الاستثمارية أردوغان: إســرائيل تجر المنطقة للفوضى وعدم الاستقرار الرئيس الشرع يلتقي الأمير محمد بن سلمان في الدوحة قمة "سفير" ترسم ملامح التعليم العالي الجديد خدمات علاجية مجانية  لمرضى الأورام في درعا الرئيس الشرع يلتقي الشيخ تميم في الدوحة الشيخ تميم: العدوان الإسرائيلي على الدوحة غادر.. ومخططات تقسيم سوريا لن تمر الحبتور: الرئيس الشرع يمتلك العزيمة لتحويل المستحيل إلى ممكن فيصل القاسم يكشف استغلال "حزب الله" وجهات مرتبطة به لمحنة محافظة السويداء ضبط أسلحة وذخائر معدّة للتهريب بريف دمشق سرمدا تحتفي بحفّاظ القرآن ومجودي التلاوة تنظيم استخدام الدراجات النارية غير المرخّصة بدرعا مطاحن حلب تتجدد بالتقنية التركية