الثورة – متابعة لينا شلهوب:
في بلدٍ عانى من ويلات الحرب والتدمير، تتجلى بارقة الأمل من جديد عبر نوافذ المدارس المرمّمة، تسعى وزارة التربية والتعليم بخطا حثيثة للارتقاء بالواقع التعليمي، وإعادة تأهيل المدارس المتضررة في مختلف المحافظات السورية، ضمن خطة وطنية متكاملة تهدف إلى تأمين بيئة تعليمية آمنة، مستقرة، ومحفّزة للطلبة العائدين من النزوح، والوافدين من المناطق التي كانت محرومة من المؤسسات التعليمية.
279 مدرسة على خارطة الترميم

أطلقت وزارة التربية والتعليم خطة طموحة لترميم 279 مدرسة موزعة على المحافظات، تتنوع فيها أعمال الترميم بين الأضرار الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، ولاسيما في المدارس التي تعرضت لأضرار في العناصر الإنشائية، تُنفّذ هذه الخطة بالتعاون مع المنظمات المحلية والدولية، من أجل توفير أبنية مدرسية مؤهلة تستقبل آلاف الطلاب مع بداية العام الدراسي الجديد 2026.
وتحدث مسؤول قسم الأبنية المدرسية في الوزارة لصحيفة الثورة: أولويتنا كانت المدن والبلدات التي لا تحتوي على أي مدرسة، فبدأنا بتجهيز مدرسة واحدة على الأقل في كل مدينة محرومة، وخاصة المدن التي فيها مدارس تعرضت لأضرار جسيمة، ومن هنا نؤكد أننا مصممون على استعادتها للحياة.
التعليم ينبض من جديد
تُعدّ إعادة تأهيل مدارس ريف إدلب من أهم المشاريع التي تتبناها الوزارة حالياً، إذ شارفت أعمال الترميم في مدرستي أبي العلاء المعري، والناصيف على الانتهاء، المشروع يهدف إلى استئناف العملية التعليمية في المناطق الريفية المتأثرة بالنزوح والقصف، وتهيئة بيئة تعليمية مستقرة وآمنة.
وصرّحت المعلمة سها من إحدى المدارس في ريف إدلب: لم أتصور أنني سأعود للوقوف أمام طلابي في هذه المدرسة مجدداً، لكن بعد المباشرة بأعمال الترميم، أصبح المكان مناسباً للتعليم بحق، مع استقبال العام الدراسي الجديد.
ورشة تعليمية مفتوحة
في مدينة حلب، انطلقت أعمال ترميم لمدرستي النيل والطليعة العربية في حي شارع النيل، وتشمل دهان الجدران، تحديث الكهرباء، صيانة الأبواب والنوافذ، وتأهيل المرافق الصحية، كما شملت الخطة مدارس ريف حلب، حيث يتم تأهيل ثلاث مدارس دفعة واحدة لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الطلاب في القرى المحرومة.
وتحدث مدير إحدى المدارس الريفية بحلب: التلاميذ كانوا يدرسون في أماكن مؤقتة، بعضها دون نوافذ أو دون مياه، اليوم لدينا مرافق صحية، صفوف مطلية، ولوحات تعليمية جديدة.
الترميم في بابا عمرو ودير بعلبه

في محافظة حمص، تتواصل أعمال الترميم في مدرسة يحيى الغنطاوي بحي بابا عمرو، ومدرسة سعيد هلال في حي دير بعلبه، ضمن خطط تحسين البنية التحتية للمدارس، المشروع يهدف إلى استعادة الحياة التعليمية تدريجياً في الأحياء التي تعرضت للدمار، وتهيئة بيئة تعليمية تحقق شروط السلامة والجودة.
يقول المشرف على المشروع: نتابع العمل يومياً مع الكوادر المحلية، والمشروع يشمل الباحات، الجدران، الكهرباء، وكل ما يتعلق ببيئة الطالب.
عام دراسي أكثر إشراقاً
في محافظة حماة، يتم العمل حالياً على إعادة تأهيل مدرستين استعداداً للعام الدراسي القادم، إذ شمل الترميم البنية الأساسية للمدارس، إضافة إلى تجهيز القاعات الدراسية بالمستلزمات الضرورية، وقد أكد مسؤولو التربية في حماة أن الخطة تسير بشكل جيد، وبمشاركة مجتمعية فاعلة.
رغم التحديات
لا تزال الظروف المعيشية والبيئية في كثير من المناطق تشكل تحدياً كبيراً، إلا أن إرادة المعلمين والطلاب تتفوق على الصعاب، إذ أن مشهد الطلاب وهم يعودون إلى مقاعدهم الدراسية وسط مبانٍ نظيفة وآمنة يمنح الأمل بمستقبل أفضل.
عدد من الطلبة من إحدى المدارس التي يتم ترميمها، عبروا عن فرحتهم بقولهم: كنا ندرس في منازل الأقارب، الآن أصبح لدينا صفوف ومقاعد وسبورة، ونشعر أننا عدنا طلاباً بحق، وذلك مع بدء العام الدراسي الجديد.
الشراكات مع المنظمات الدولية
أكدت الوزارة أنها تعمل بتوجيه من الحكومة وبالتعاون مع المنظمات الدولية لإعداد دراسات لمدارس جديدة في المدن والأرياف المحرومة، الهدف هو استيعاب أكبر عدد ممكن من الطلبة، خاصة العائدين من النزوح، وتوفير فرص تعليم متساوية للجميع.
في ظل التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، يبقى الاستثمار في التعليم هو الخيار الأمثل والأكثر أماناً نحو مستقبل مزدهر، ومع كل مدرسة تُرمم، وكل صف يُجهّز، يُكتب فصل جديد من فصول الأمل، ويُعاد بناء الإنسان قبل البنيان.