الثورة- منذر عيد:
في ظل تعقيدات المشهد السوري وتداعيات الحرب التي أنهكت البلاد، يبرز ما يسمى بمؤتمر مكونات شمال شرق سوريا الذي عقد في مدينة الحسكة، كخطوة أحادية الجانب تستهدف فرض أجندة سياسية تقوض وحدة سوريا وتنسف جهود التسوية الوطنية.
المؤتمر الذي نظّمته (قسد) بمشاركة شخصيات محسوبة عليها، يأتي في وقت تحتاج فيه سوريا إلى تعزيز اللحمة الوطنية والتوافق السياسي الشامل، لا إلى تعزيز الانقسامات العرقية والطائفية التي تخدم أجندات خارجية على حساب مصلحة الوطن.
قد يبدو المؤتمر من الناحية الشكلية احتفالاً بالتنوع والتعددية، لكنه في الواقع آلية لفرض الهيمنة لـ”قسد” على المشهد السياسي في شمال شرق سوريا، من خلال استبعاد مكونات أخرى وعدم إشراكها في صنع القرار بشكل حقيقي وشفاف.
فعلى الرغم من دعوات المؤتمر إلى اللامركزية وحقّ المكونات في المشاركة، إلا أن هذه الشعارات تخفي خلفها نية فرض نموذج إداري وسياسي يخدم أجندة “قسد” التي تعمل كقوة عسكرية وأمنية مستقلة عن الدولة السورية، وهو ما يهدد وحدة الأراضي والسيادة الوطنية.
إن عقد هذا المؤتمر وطرح مطالب دستورية ونظام حكم مستقل يتعارض مع الإعلان الدستوري، ويخرج عن إطار المفاوضات السياسية المعتمدة دولياً والتي تشدد على وحدة سوريا وسيادتها على كامل أراضيها.
رد الفعل السوري الرسمي عبر تعليق المشاركة في مفاوضات باريس، يعكس موقف الحكومة الرافض لأي خطوات من طرف واحد تهدف إلى خلق أمر واقع سياسي منفصل عن السلطة الشرعية، وهو موقف يعبر عن تمسك دمشق بالحل السياسي الشامل الذي يحفظ سوريا موحدة بأرضها وشعبها.
لا يمكن فصل نجاح أي عملية سياسية عن دعمها الشعبي الحقيقي، وهنا يبرز الخلل الأساسي في مؤتمر الحسكة، حيث لم يكن المؤتمر ممثلاً لكل مكونات شمال وشرق سوريا على اختلافها، بل شهد رفضاً واضحاً من شخصيات وقوى وطنية تعارض محاولة “قسد” فرض أجندتها التي تعتمد على القوة العسكرية.
كما أن مظاهر التوتر والاحتجاجات في بعض المناطق تشير إلى أن هذا المؤتمر لم يستطع أن يلمس الواقع الميداني، ويخالف رغبة شريحة واسعة من السكان الذين يرفضون أي تقسيم أو إدارة منفصلة خارج مؤسسات الدولة.
إن استمرار “قسد” في فرض مثل هذه المبادرات الأحادية يزيد من حالة التوتر في المنطقة، ويفتح الباب أمام تصعيد الصراعات الداخلية والإقليمية، وبالرغم من وضوح الموقف الدولي الداعم لوحدة سوريا أرضاً وشعباً، إلا أن ذلك يؤثر سلباً على العملية السياسية الانتقالية، ويعوق جهود التعافي وإعادة الإعمار، وبالتالي يؤخر عودة اللاجئين ويُفقد سوريا فرصاً كبيرة من الاستثمارات الوطنية والأجنبية المعول عليها إعادة بناء ما دمرته الحرب.
“مؤتمر الحسكة” ليس إلا محاولة لتمكين “قسد” من فرض سيطرتها على منطقة استراتيجية حساسة، تحت شعارات واهية عن التعددية الوطنية، الغاية منها تحقيق مكاسب سياسية وأمنية على حساب وحدة سوريا وسيادتها.