الثورة – تحقيق سعاد زاهر:
بعد أكثر من عقد من الانقطاع السياحي بسبب الحرب، تقف سوريا اليوم أمام لحظة فارقة، كيف تستعيد صورتها أمام العالم؟.. وكيف تهيئ كوادرها للانخراط في سوق سياحي عالمي سريع التغيّر؟
في هذا السياق، برزت الدورات التدريبية للأدلّاء السياحيين كخطوة أساسية نحو إعادة تأهيل “سفراء البلد” الذين يشكّلون الواجهة الأولى أمام أي زائر.
القانون الجديد والتحديات
في دورة حديثة نظمتها وزارة السياحة بالتعاون مع اتحاد غرف السياحة السورية، التقى الأدلاء، سواء في دمشق أم من وراء الشاشات، لمناقشة مستجدات المهنة، وأبرز القوانين الجديدة، وواقع المواقع الأثرية والمتاحف، إضافة إلى التحديات التي تواجه القطاع، ورؤية النهوض به في مرحلة ما بعد الحرب.مدير عام الهيئة العامة للتدريب السياحي والفندقي المهندس مسلم الناعم، قال لصحيفة الثورة: إن القانون الجديد جاء ليحدث نقلة نوعية في تنظيم مهنة الإرشاد السياحي، فسابقاً، كان على الدليل أن يخضع لدورة تحديث معلومات كل سنتين، أما الآن، ووفق القانون 29 لعام 2024 فيحتاج إلى دورة كل ثلاث سنوات من أجل تجديد ترخيص العمل، وهذه الدورة هي الأولى بعد صدور القانون.
ويتابع: لكن الانطلاقة لم تكن سهلة؛ فقد واجهت الهيئة صعوبة في استقدام الأدلاء من المحافظات، نتيجة ارتفاع تكاليف النقل والإقامة، ففي السابق كنا نحضر نحو 30 إلى 40 دليلاً ونقيمهم في الفنادق، أما اليوم ومع امتلاء الفنادق وارتفاع الأسعار، فكان علينا إيجاد حل بديل” يقول الناعم.
من 40 إلى 101 مشارك
الحل جاء عبر التعليم الافتراضي، وهو ما يعد تجربة أولى في هذا المجال، النتيجة كانت مهمة، فقد قفز عدد المشاركين من 30 إلى 101 دليل سياحي، بينهم أشخاص يقيمون خارج القطر، “هذا الأسلوب أتاح تفاعلاً واسعاً ومناقشات غنية، ووفر على المشاركين عناء السفر والتكاليف الباهظة، خاصة للذين كانوا سيضطرون لدفع آلاف الدولارات للحضور الشخصي”، يضيف الناعم.
من الآثار إلى الهجرة والجوازات
الدورة لم تقتصر على التدريب الميداني التقليدي، بل توسعت لتشمل محاور حديثة تتعلق بواقع السياحة اليوم، مثل: مستجدات قانون الهجرة والجوازات وآلية تنفيذه.
التعريف بدور الشرطة السياحية وكيفية التعاون معها.
محاضرات متخصصة في الآثار والمتاحف، وما طرأ عليها من تحديثات.
مهارات تقديم الموقع السياحي، من استخدام الميكروفون إلى التواصل مع السياح أثناء الجولات.
يصف الناعم الدليل السياحي بأنه “سفير البلد”، ويؤكد أن النجاح في هذه المهنة يحتاج إلى ثقافة واسعة، كاريزما، وشغف، بالإضافة إلى الممارسة الميدانية تحت إشراف مرشدين مخضرمين.
الهيئة لا تكتفي بدورة الأدلاء، بل تعمل على تغيير شامل للمناهج في المعاهد الفندقية، بما فيها معهد دمر، وإدخال نظام التعليم الإلكتروني وتوحيد المعلومات على مستوى سوريا، مع ترك مساحة للمراكز لإضافة مواد إثرائية تميزها، والهدف تخريج كوادر تلبي تطلعات المستثمرين وتواكب النهضة السياحية.
شهادة الميدان
من قلب التجربة، يتحدث رئيس شعبة الأدلاء السياحيين في اتحاد غرف السياحة السورية بحلب محمود أرناؤوط عن أهمية الدورة: “القانون الجديد يفرض على الدليل كل ثلاث سنوات أن يتابع دورة لمعرفة المستجدات، سواء في المهنة أم القوانين: في محاضرتي ركزت على شرح القانون 29 للمشاركين، خاصة المقيمين في الخارج.ويرى أن التعليم الافتراضي كان ضرورة، لأن الحضور الشخصي كان سيكلف البعض آلاف الدولارات، إضافة إلى مشقة السفر والإقامة.
يشير أرناؤوط إلى أن أهم عقبة تواجه المرشدين هي القانون نفسه الذي يحتاج إلى تعديل، إضافة إلى غياب السياح منذ 15 عاماً، وتردي بعض المواقع السياحية من حيث الخدمات: متاحف بلا تبريد أو تهوية.
مواقع أثرية مغطاة بالأعشاب.
ضعف البنية التحتية في بعض المناطق.
السياحة تبحث عن صوتها
يرى أيهم مهنا، مدير التدريب والتأهيل المستمر في وزارة السياحة، أن الدليل السياحي هو الواجهة الأولى لسوريا أمام الزائر، لا يكفي أن يمتلك المعلومة، بل عليه أن يعرف كيف يوصلها لمختلف السياح، وأن يمتلك مهارات تواصل عالية، ويكون مطلعاً على المستجدات، والتجربة هنا لا تقل أهمية عن المعرفة، ويعرف كيف يتعامل مع السياح من خلفيات ثقافية وبيئية مختلفة.
ويؤكد أن الوزارة تعمل على برامج تدريبية متنوعة تستهدف مختلف القطاعات السياحية، مع التركيز على احتياجات سوق العمل عبر استبيانات دورية.
جورج إدلبي، أحد المشاركين، “استفدنا كثيراً من الدورة، خاصة في متابعة التغيرات بعد التحرير، ومعرفة المستجدات في السفر والهجرة والجوازات، وأوضاع المواقع السياحية التي يمكن زيارتها”.
رضوان الحسن، مشارك آخر، “الدورة مهمة جداً لكنها كانت تحتاج أن تكون أطول وذات مواضيع أكثر تنوعاً، لأن علم الإرشاد السياحي واسع ولا ينتهي.”
صعوبات وتمويل
ارتفاع التكاليف يشكل هاجساً دائماً؛ في الماضي كانت الهيئة تدعم المتدربين بالإقامة في الفنادق وتتحمل جزءاً من تكاليف النقل، أما اليوم فقد ارتفعت الأسعار بعد التحرير، مما يتطلب إيجاد آلية لدعم التدريب وتأهيل الكوادر دون إرهاقهم مادياً.
مع كل هذه الجهود، يبدو أن قطاع السياحة في سوريا يستعيد أنفاسه، الدليل السياحي لم يعد مجرد مرافق للمجموعة، بل هو حارس للذاكرة، وناقل لصورة بلد يتعافى من الحرب ويقف على أعتاب مستقبل جديد. هذه الدورة، وإن كانت خطوة واحدة، إلا أنها تفتح الطريق أمام مئات الخطوات القادمة، حيث تمتزج المعرفة بالشغف، والتكنولوجيا بالميدان، ليصنع الأدلاء السياحيون الجدد صورة سوريا التي يريدها أهلها أن تصل إلى العالم: حية، جميلة، وقادرة على النهوض.
بين التحديات اللوجستية والقوانين الجديدة، والتجارب المبتكرة في التعليم الافتراضي، تقف دورة الأدلاء السياحيين شاهداً على مرحلة انتقالية في السياحة السورية. هؤلاء الأدلاء ليسوا مجرد مرافقين، بل رواة لقصة بلد ينهض من الرماد، يعرض تاريخه للعالم، ويعكس طموح شعبه في مستقبل مشرق. في قادم الأيام، ومع استمرار هذه البرامج، قد نشهد جيلاً جديداً من المرشدين يجمع بين المعرفة والشغف، وبين أصالة الحكاية وحداثة العرض، ليعيد للسياحة السورية مجدها، ويجعل من كل جولة سياحية رواية لا تُنسى.