من الانغلاق إلى الانفتاح.. كيف غيّر التعاون الأممي صورة سوريا بعد الحرب؟

الثورة:

يشكل التقرير الأممي الصادر عن لجنة التحقيق الدولية المستقلة حول أحداث الساحل السوري، تحولاً نوعياً في علاقة دمشق بالمؤسسات الدولية، إذ كسرت الحكومة السورية الجديدة إرث نظام الأسد البائد المتمثل في رفض التعاون مع لجان التحقيق، هذه المرة، جاء التفويض الأممي مجدداً بالإجماع وبدون اعتراض سوري، بل مع تسهيل وصول المحققين إلى المناطق المتضررة بشكل غير مقيد.

هذا السلوك الجديد لا يعبّر فقط عن انفتاح سياسي، بل يرسخ صورة الدولة كمحاورٍ موثوقٍ يسعى لتصحيح مسار العدالة الانتقالية، كما أن أحد أهم أبعاد التقرير يتمثل في تطابق نتائجه مع ما توصلت إليه “اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق” التي أنشأها الرئيس أحمد الشرع بعد الأحداث مباشرة.

تطابق القوائم التي حددت المتهمين (260 شخصاً من مختلف الأطراف) بين التقريرين يعكس انسجاماً غير مسبوق بين الرواية الوطنية والرواية الأممية، هذا التطابق يضعف حجج المشككين ويعزز الاعتراف الدولي بمهنية التحقيقات الوطنية.

التقرير يضع العنف في الساحل في سياق بيئة انتقالية هشة، جاءت بعد ثمانية أشهر فقط من التحرر من نظام الأسد، وفي ظل فراغ أمني، ومظالم طائفية متراكمة، وانتشار مجموعات مسلحة خارج السيطرة الكاملة للدولة، هذا التشخيص يربط الأحداث مباشرة بإرث النظام البائد من الحصار والتهجير وإدارة الانقسامات الطائفية كسلاح سياسي، ويُبرز أن تفكيك هذا الإرث يتطلب إعادة بناء المنظومة الأمنية من الأساس.

كما أن التقرير يؤكد غياب التوجيه الرسمي للعنف، إذ إن التقرير ينفي وجود سياسة حكومية لارتكاب المجازر، ويؤكد أن التعليمات الرسمية كانت لحماية المدنيين، كذلك يُبرز استجابة حكومية سريعة، إذ إن وقف المجازر خلال أربعة أيام يعكس قدرة الدولة على التحرك الحاسم.

ويتحدث التقرير عن انفتاح على الرقابة الدولية عبر منح وصول كامل للمحققين الأمميين يشكل سابقة في التاريخ السوري الحديث، ويتطرق إلى ضمانة للسلم الأهلي، إذ إن الدولة تُقدَّم كطرف وحيد قادر على حماية جميع المواطنين دون تمييز، في مرحلة ما بعد الحرب.

التقرير يضع “إصلاح القطاع الأمني” في صميم التوصيات، داعياً إلى دمج جميع القوات، وإخراج العناصر المتورطة في الانتهاكات، وتحصين الأجهزة الأمنية ضد التكرار، وهذه الرسالة تتناغم مع الخطوات التي بدأت بها الدولة، لكنها تحتاج إلى دعم تقني وسياسي ومالي دولي لتكتمل.

ولعل أحد أعمق أبعاد التقرير هو تحذيره من تأثير المعلومات المضللة وخطاب الكراهية في تقويض العدالة وإذكاء الانقسامات، إضافة إلى الإشارة إلى الحملات الرقمية المنظمة ضد الدولة – غالباً بتمويل أو تحريك خارجي – تعكس إدراكاً أممياً بأن المعركة على السردية لا تقل أهمية عن المعركة على الأرض.

ويصف التقرير مستوى التعاون السوري بأنه معيار جديد في علاقة الدول الخارجة من الحروب بالمجتمع الدولي، قائم على الشفافية والانفتاح وإرادة إصلاح حقيقية، وهذه الإشارة تمثل فرصة سياسية للحكومة السورية لاستثمار الاعتراف الأممي في تعزيز موقعها الدبلوماسي.

والثابت أن التقرير الأممي يتجاوز كونه توثيقاً للانتهاكات، ليصبح شهادة سياسية على انتقال سوريا إلى مرحلة جديدة من التعاطي مع ملفات العدالة، ولعل نجاح الحكومة في ترجمة هذا الاعتراف إلى إصلاحات أمنية وقضائية حقيقية، وفي تفكيك إرث الانقسام الطائفي والمعلومات المضللة، سيحدد ما إذا كانت سوريا قادرة على تحويل هذه اللحظة إلى نقطة انطلاق نحو سلامٍ مستدامٍ ودولة قانون شاملة.

آخر الأخبار
استجابة شباب القرى… حين وقف أبناء بيت ياشوط سداً أمام ألسنة النار    إعلام عبري: "إسرائيل"  تعتزم استدعاء 100 ألف جندي لاحتلال غزة  إزالة التعديات على الشبكة الكهربائية في درعا خدمات مميزة لمرضى الجلد  في مستشفى الجولان الوطني نعيم أقبيق لـ"الثورة" : تصريحات نتنياهو تتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة وتعكس عدوانية الكيان قمة بوتين- ترامب.. هل تمهد لحلّ الملفات الشائكة؟ قراءة في توافق تقريري لجنة التحقيق الدولية واللجنة الوطنية الباحث جواد خرزم: الشفافية وترسيخ القانو... باراك: تقرير لجنة التحقيق الدّولية بشأن سوريا إنجازٌ ملموس وقابل للقياس الدفاع التركية تجدد دعمها لوحدة سوريا وسلامة أراضيها عشية قمة ألاسكا.. مخاوف أوروبية من صفقة ترامب وبوتين على حساب كييف الأدلاء السياحيون.. سفراء النهضة على أبواب التاريخ التدخلات الإسرائيلية.. العائق الأكبر أمام تعزيز الأمن والاستقرار في سوريا عودة أكثر من 411 ألف سوري إلى بلادهم من تركيا منذ كانون الأول الماضي شبابنا... تفاقم أزمات وطاقات خارج الاستثمار من الاستنفاد إلى الانطلاق.. 17 ألف طالب حتى الآن يستعيدون مستقبلهم الجامعي إدانات عربية وإسلامية لتصريحات نتنياهو: تهديد للاستقرار وتعد على سيادة الدول أزمة مياه خانقة تعيشها مدينة صافيتا وقراها أدهم الطباع لـ "الثورة": إغراق الأسواق ببضائع "ستوكات" وبعض الألبسة تسبب الأمراض تحذير تركي لـ"قسد": أي طلب للدعم من دمشق سيتم الرد عليه بشكل إيجابي مشكلة تنقل بلا حل.. أهالي وادي بردى يطالبون بإعادة خطوط النقل إلى جسر الحرية