ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحريرعلي قاسم:
لم تكن حلب وحدها تحصي مسرح الجرائم النكراء التي ارتكبها الإرهابيون، بل شاركها السوريون على امتداد أرضهم التي يطالها الإرهاب، وقد أدمت قلوبهم، وهم يتابعون مشاهد التوحش والإجرام التي تمارسها التنظيمات الإرهابية،
حين بات القتل والموت رسالة يومية، يسطر فيها تواتر أمر العمليات الغربي وتتناغم مع إيقاع المشغلين الإقليميين.
واللافت أن الإجرام هذه المرة يأتي بالتوازي مع التسليم غير المعلن بفشل كل المحاولات اليائسة للتأثير ميدانياً أو إعلامياً أو نفسياً على أهل حلب، وهم يقارعون مشاهد الإرهاب اليومي بكل صوره وأشكاله، وقد أبدوا بسالة تسجل لحلب وأهلها والكثير من المناطق السورية التي تتعرض لهذا الإرهاب الحاقد والأعمى.
فجرائم الإرهابيين في حلب تعكس ردة فعل المشغلين الإقليميين والدوليين على تداعيات المشهد السياسي بمختلف مجرياته، وفي كل ساحاته، وما يمكن أن يفتحه من بوابات موازية على مستويات مختلفة، خصوصاً أنه يأتي في توقيت يكاد أن يعلن لحالة اليأس والإحباط التي تستشري في أوساط وكلاء الإرهاب.
وإذا كان هذا الوجه الإجرامي جزءاً من حالة الاستهداف الممنهج وفي سياق السياسة المعدة للتنظيمات الإرهابية، فإنه في الوقت ذاته يحمل عناوين المرحلة المقبلة، والرد المتوقع في إطار التمهيد لمرحلة من التصعيد، تترجم إلى حد بعيد سياسة الإفلاس، ومحاولة يائسة لإعادة عقارب الساعة إلى الخلف، حين يرسم الخط التصاعدي من الإجرام لدى تلك التنظيمات وهي تدرك بفطرتها الإجرامية أن المشهد السياسي في المنطقة وخارجها يتجه نحو افتراق في الأجندات، وأن التطورات المتلاحقة يمكن أن تشكل انعطافة في الموقف من وجودها.
فالإجرام الذي يعبّر عن حالة الإفلاس الواضحة، قد سبقته جملة من المؤشرات، خصوصاً مع الحماقة السعودية في عدوانها على اليمن، وما تحمله من تداعيات خطيرة على موقع السعودية والعائلة الحاكمة فيها، بعد أن تعرض تحالفها المزعوم للتصدع إثر صفعة الباكستان غير المحسوبة سعودياً، وهذا ما يجزم بأن تطورات المشهد السياسي في المنطقة واحتمالاته المفتوحة على خيارات صعبة، بات اليوم يرسم صورة مناقضة على امتداد المنطقة.
الأخطر أن الإرهاب وأدواته والدول الداعمة تفتح مسرح تقاطعاتها السياسية والاستراتيجية على مختلف الجبهات، بحيث إن التعثر في جبهة العدوان هناك يدفع إلى رفع وتيرة حضوره هنا، وإن خيبة محور الإرهاب والعدوان في السياسة يحاول أن يعوضها بتصعيد إجرامه الميداني، والحال من بعضه رغم بعد المسافة وربما اختلاف الحسابات والمعادلات.
على هذا الأساس لم تكن جرائم الإرهابيين في حلب منفصلة عن الواقع الذي يحكم ويحرك الإرهاب في المنطقة، وإن أدوات الإجرام تتوازع أدوارها ومهامها الوظيفية، وتتساوى في ذلك التنظيمات الإرهابية مع الدول الداعمة لها والممولة والمشغلة، حيث المصير المنتظر هو ذاته والموقف عينه.
فالجميع بات اليوم على قناعة بأن مواجهة الإرهاب تتوازى في أهميتها مع مواجهة الدول الداعمة له، وأن المسؤولية عن الجرائم مسؤولية مشتركة، بل تتحمل تلك الدول أكثر، وهذا ما يقتضي العمل على المسارين معاً، فبيدر الإرهاب هو نتاج لما يجري ويخطط في حقول مشغليه.
لكن وبرغم أن المعركة متطابقة، سواء كانت على البيدر، حيث الإرهاب المتنقل والمتحرك، أم انتقلت إلى حقل المشغلين، حيث الداعمون الأساسيون، وإن النتائج قد تبدو واحدة والساحات واحدة، ولو اختلفت أو تباينت، فإن أولوية المواجهة تميل بطبيعتها إلى ساحات المشغلين التي أغرقها الحقد بكراهيته، والتكفير بظلاميته، حيث لب المشكلة وأساس المعضلة.
a.ka667@yahoo.com