الثورة – أحمد صلال – باريس:
مرهف دويدري شاب مبدع يكتب القصة والمسرحية، بالإضافة إلى أنه ممثل من طراز متميز، له مجموعة قصصية بعنوان “ضجيج وأشباه صور”، ومجموعة مسرحية، منها مسرحية “غودو هنا”، و”نصف الآخر” في سوريا والمغرب العربي.
دفعه الطموح ذات يوم للانطلاق في عالم القصة والمسرح فقدم بداية مشروعاً كان يعتقد أنه الأمثل والأجدى على صعيد الكتابة والإبداع..
صحيفة الثورة كان لها الحوار التالي مع القاص والمسرحي مرهف دويدري..
– لا شيء، لم يتغير أي شيء، شعرت أنه لا جدوى من كل ما كتبت ومن كل الأحلام التي حلمت بها، حتى الآلام التي تألمتها ذهبت أدراج الرياح باختصار، مرهف دويدري لا جدوى لماذا؟
منذ زمن طويل الأدب لا يشكل حضوراً واضحاً في المجتمعات والأدب، بشكل عام هو مفهوم نخبوي، وهو ضمن حلقة مغلقة تضم المثقفين والمهتمين بالثقافة، إذاً فكرة الوصول للمجتمع وتغيره غير واقعية من حيث المبدأ، ولكن يبقى الأدب حالة إنسانية ذات بعد شخصي إلى حد كبير، مثلاً أنظر لما ينشر في المنطقة العربية بشكل عام أشهر كتاب لا يباع منه عشرة آلاف نسخة على المستوى العربي الذي يبلغ 400 مليون نسمة، يعني وأمام هذا الفارق الشاسع والهائل أعتقد أنه لا جدوى من الأدب، وربما تحول إلى رفاهية وفوقية من قبل بعض المثقفين، ولنكن صادقين في طروحاتنا، فالأدب هو سلعة مطروحة في السوق مثل أي سلعة وبشكل خاص بعد ظهور مواقع التواصل الاجتماعي والعلامات الزرقاء للحسابات، عدد المتابعين وعدد اللايكات هي من تقوم “بتسعير” المنتج الأدبي، والكاتب هو أيضاً تحول إلى سلعة ويخضع للتسعير من خلال منشوراته وآراءه حول القضايا السياسية، وظهر هذا التسعير بشكل كبير بعد الثورات العربية، بعد كل هذه القتامة بالمشهد الأدبي العربي، أين الجدوى من كل هذا الأدب المطروح والمعاد تكريره بصيغ متعددة؟.
– من أين قدمت إلى القصة القصيرة؟
القصة شغف خاص، ربما يكون كتابة الشعر- أو كما أراه- قرار عند الكثير من الشعراء، وهنا لا أقلل من أهمية الشعر والشعراء بكل تأكيد، ولكن كوننا عرباً فأول ما نفكر به هو الشعر كون المقولة الشهيرة “الشعر ديوان العرب”، أي تاريخهم وحياتهم ومستقبلهم، لكن القصة هي مولود جديد، ربما أكمل القرن الأول له منذ عدة سنوات، لذلك القصة غير مغرية بالمفاهيم الأدبية والانتشار، ومن يقرر الدخول في هذا المضمار يكون كمن دخل حقل ألغام، في الشعر قد تقول “المعنى في قلب الشاعر”، لكن في القصة كل شيء واضح هي حكاية مكسوة باللغة، وهنا لا معنى سوى ما نقرأ، لذلك من يريد القدوم نحو مضمار القصة عليه أن يعرف أنه أمام سلاح ذي حدين، بالنسبة لي أخذت المغامرة واعتقد أني نجحت إلى حد جيد على ما أعتقد.
– ما السبيل إلى استخلاص رحيق السرد؟
القصة القصيرة هي حياتنا التي نعيشها بكل تفاصيلها السعيدة والتعيسة ويبقى التقاط اللقطة الخاصة التي يمكن البناء عليها هي أساس القصة، بعيداً عن القواعد النقدية لكتابة القصة القصيرة ذات الأحكام الثابتة والمعقدة، استطاعت القصة أن تهرب من الكلاسيكية في طرح الأفكار إلى الهروب للتجريب، وباتت اللغة القصصية لها حيز كبير قد يتفوق على الحبكة، السرد في القصة يبدأ من توهج الفكرة، وهنا يمكن أن تنحت قصتك بأي شكل تراه يحاكي فكرتك ولغتك التي قد تتجاوز اللغة الجافة إلى مفاهيم شعرية بشكل عام السرد القصصي يحدده توهج الفكرة ومستوى اللغة الذي تعمل عليه.
فالسرد- إن شئت، هو الحامل الذي نزينه باللغة وهو صناعة نستطيع أن نركب قطعة بالطريقة التي نشاء لعرض أفضل ما يمكن من جماليات اللغة التي تعطي للفكرة والمقولة وهجها الحقيقي.
بدأت القصة في نهاية القرن المنصرم في أوجها، وفي هذا القرن عشنا أوج القصة القصيرة جداً. إلى ماذا يعزى هذا؟
لا أعتقد أن هناك علاقة طردية بين القصة القصيرة، وما يسمى القصة القصيرة جداً، وهذا ما بات واضحاً بعد فترة من النقشات والدراسات والمحاكاة بين كتاب القصة القصيرة من باتوا يروجون للقصة القصيرة جداً، أعتقد أن كثير من كتاب القصة القصيرة جداً لم يستطيعوا كتابة قصة ناضجة، وأزعم أيضاً أن الغالبية الساحقة من كتاب القصة القصيرة كتبوا القصة القصيرة جداً، كمحاولة لاكتشافات جديدة، وأنا منهم كتبت هذا النوع من القصة والبعض يسميها “القصة الومضة” كونها تحاكي لقطة سريعة مكثفة لفكرة واسعة، كتبتها ولكن لم أنشرها لأنني غير مقتنع بهذا النوع، لأنه يبقى قاصراً عن إيجاد الهدف الحقيقي لمفهوم القصة، لا يمكن اختصار الحياة، القصة بفعل أو رد فعل عبر سطر أو سطرين.
قد يكون هناك قصص قصيرة جداً معبرة، ولكن الكم الهائل الذي ظهر خلال عدة سنوات كان أقل ما يقال عنه “هذيانات كتابية” لا ترقى لمفهوم القصة.
– إنك كتبت للمسرح من أجل تغيير الواقع، فهل يعني أن الواقع تغلب على أحلامك وكسرها؟
نعم الواقع تغلب على كل أحلامي بكل بساطة، المسرح بالنسبة لي هو حياة عشتها وأعيشها، كتبت للمسرح ووقفت على خشبته لمرات عديدة حصلت على جائزة أفضل ممثل في المسرح الجامعي عام 99 وحصل النص المسرحي “غودو هنا” على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان المسرح الجامعي 2003، أخرجه حينها صديقي سامر السيد علي، وعملت فرقتان مسرحيتان مغربيتان على نص مسرحي بعنوان “نصف الآخر”، الأولى عام 2006، والثانية عام 2012، وكتبت مونودراما عن الهجرة القسرية التي تعرضنا لها بسبب إجرام النظام البائد، كل هذه التي يمكن اعتبارها “إنجازات”، أرى أنها لم تكن ذات جدوى حقيقية لأنها لم تؤسس لما كنا نحلم به كجيل آمن بالمسرح على أنه “ثورة” على المجتمع لكنه في الحقيقة لم يؤثر حتى بأصحاب المسرح، ولنكن صادقين مع أنفسنا نحن ليس لدينا مسرح حقيقي في سوريا وأنا هنا أتحدث عما قبل قيام الثورة 2011 المسرح كان عبارة عمل مهني أكثر منه فن تغيري لذلك لم نستطع الوصول لمسرح فاعل مجتمعياً، وهو ما يجعل أحلامنا محطمة وبلا معنى على الإطلاق.