معمل الحرير الأثري.. حكاية سبقت عصرها وعاشت قرنين من الزمن

الثورة – مها يوسف:

على مسافة 26 كيلومتراً شرق مدينة صافيتا، وفي حضن سفوح جبل الحلو الغربية يقف معمل الحرير الأثري في مشتى الحلو كشاهدٍ حجري صامت على عصر ازدهرت فيه صناعة الحرير الطبيعي في الساحل السوري، حيث التقت الجغرافيا بالتجارة، وولدت تجربة اقتصادية استمرت لأكثر من 125 عاماً قبل أن تنطفئ فجأة في أواخر السبعينيات من القرن الماضي.

ثروة ريفية

المؤرخ الآثاري بسام القحط أوضح لصحيفة الثورة أنه منذ بدايات الحكم العثماني كان الحرير الطبيعي مورداً اقتصادياً رئيساً لمزارعي التوت ومربي دود القز في نواحي صافيتا، مشتى الحلو، دريكيش، وادي النصارى، وصولاً إلى مصياف.

فهؤلاء الفلاحون لم يتعاملوا مع الحرير بوصفه ترفاً بل كجزء أساسي من معيشتهم، إذ عملوا بدأبٍ على إنتاجه وتصديره طوال قرنين من الزمن.

ويشير المؤرخ القحط إلى أن مشتى الحلو تميزت في تلك الحقبة بوفرة إنتاجها من الحرير وسهولة نقله نحو مراكز التجارة الكبرى، ولاسيما طرابلس وحمص، عبر طريق الحرير التاريخي الذي ربط المتوسط بحوض العاصي.

طريق الحرير

وأكد القحط أنه في عام 1852 شهدت مشتى الحلو نقلة نوعية، حين جاء إليها التاجر اللبناني فيليب فرعون، أحد كبار مصدري الحرير إلى فرنسا، ليؤسس بالتعاون مع عائلات البلدة المسيحية من تجار الحرير واحداً من أكبر معامل الحرير في الشرق العربي آنذاك، إذ اختار موقع المعمل بعناية في القسم الشمالي من وادي “المشتى التحتاني”، حيث تتلاقى منابع نهر الأبرش مع رافده القادم من قرية الجويخات، ولم يكن هذا الاختيار مصادفة، فصناعة الحرير تحتاج إلى مياه غزيرة دائمة سواء لإدارة دواليب اللف، أو لتغذية المراجل الضخمة التي تغلي المياه وتوزعها إلى “الحلالات” المعدنية المخصصة لحل شرانق دود القز.

تحفة معمارية عثمانية

وأضاف القحط: إن المبنى الحجري الكبير المؤلف من ثلاثة طوابق يجمع بين الجمال المعماري والوظيفة الصناعية، قناطره العريضة وسقوفه القرميدية وأقسامه المكشوفة لتجفيف شلل الحرير، جعلت منه أنموذجاً فريداً أطلق عليه القحط اسم “بيوت الحرير”.

ويتألف المعمل من ثلاثة أقسام رئيسة وهي: قسم المرجل والمدخنة، حيث تُغلى المياه في مرجل ضخم ويعلوه برج مدخنة حجري شاهق، لتنتقل المياه المغلية عبر قنوات معدنية تحت الأرض إلى أقسام أخرى.

وقسم الحلالات “الدسوت المعدنية”، وهي أحواض ضخمة تذوب فيها شرانق دود القز لاستخراج خيوط الحرير الطبيعية قبل أن ينقلها معلم متخصص يُعرف بـ”الطيار”.

وأيضاً قسم الدواليب حيث تُلف الخيوط على نحو 80 دولاباً في ذروة عمل المعمل نهاية القرن التاسع عشر، لتتحول إلى شلل جاهزة للتجارة وتجفف على رفوف مكشوفة فوق سطح المعمل، وبهذا العدد من الدواليب اعتبر معمل مشتى الحلو الأكبر في صناعة الحرير الطبيعي غرب سوريا.

مفقس البذور.. بداية الحكاية

ولفت القحط إلى أنه إلى جانب الأقسام الصناعية ضم المعمل ملحقاً أساسياً، هو مفقس بذور ديدان القز، كانت البيوض تُستورد أولاً من الصين لإنتاج الحرير الأصفر ثم من اليابان لإنتاج الحرير الأبيض الناصع، وتُحفظ البيوض في علب معدنية خاصة وتُعرض لحرارة معتدلة حتى تفقس وتتحول إلى ديدان تبدأ بنسج شرانقها، وعندما تكتمل الشرنقة تُنقل إلى “الخلقين” “الحلالات” ليستخرج منها الحرير الخام، مضيفاً: إن الأمر لم يقتصر على البيوض المستوردة بل كان المعمل يشتري أيضاً أطناناً من الشرانق المحلية التي ينتجها المزارعون بخبرة متوارثة جيلاً بعد جيل، ما جعل المعمل قلب دورة اقتصادية محلية متكاملة.

أفول تجربة عمرها 125 عاماً

وأشار القحط إلى أن هذه التجربة الصناعية الفريدة، توقفت فجأة عام 1977 حين احتكرت الدولة عمليات استيراد وبيع بيوض دود القز وشرانق الحرير عبر القطاع العام، وبهذا القرار أُغلقت أبواب معمل مشتى الحلو نهائياً، وانتهت معه صناعة محلية متقنة استمرت لأكثر من قرن وربع من الزمن، وامتازت بجودة عالية جعلت الحرير السوري منافساً في الأسواق العالمية.

معمل يتحول إلى ذاكرة

ويتابع القحط حديثه: إن معمل مشتى الحلو الأثري يقف اليوم صامتاً وسط الطبيعة، لكن جدرانه تحكي قصة ازدهار ريفي، تلاقت فيه الجغرافيا بالتجارة والتقاليد المحلية بالأسواق العالمية.

ويقول المؤرخ بسام القحط: “إنه ليس مجرد معمل مهجور بل وثيقة تاريخية توثق دور الريف السوري في صناعة الاقتصاد والحياة، معمل الحرير في المشتى يختزن حكاية تنمية حقيقية سبقت عصرها.”

آخر الأخبار
مشاركات متنوعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بمعرض دمشق الدولي ثمانون خيلاً أصيلاً في عروض افتتاح المعرض.. ومنتجات للمرأة الريفية الشح لا يزال على حاله..حملة لإزالة التعديات على شبكة المياه في ضاحية الشام "القدس الخيرية" توزع 100 وجبة لذوي الاحتياجات الخاصة في سبينة بين الحكومة ومحطات قاطرجي.. أموال المودعين هل تعود لأصحابها؟ "عمران" بجناح مميز في معرض دمشق الدولي الأنشطة في معرض دمشق الدولي تعزز السياحة معرض دمشق الدولي.. بوابة الاقتصاد الجديد مهرجان اقتصادي يعكس انفتاح سوريا على العالم لقاءات حوارية في معرّة النعمان تعززالتواصل بين محافظ إدلب والمجتمع المحلي معرض دمشق الدولي.. تظاهرة حضارية وثقافية تعكس أصالة سوريا ويلسون من دمشق: آن الأوان لإلغاء قانون قيصر ودعم شراكة جديدة مع سوريا د. خالد بحبوح: معرض دمشق الدولي تجسيد فعلي لمرحلة جديدة من الاستقرار اتفاقية استراتيجية بين "الاتصالات" وشركة "آرثر دي ليتل" العالمية الكاراتيه تحصد الوصافة بغرب آسيا  بطلا الشطرنج الضمان وعيتي يتصدران بطولة النصر والتحرير  في أهلي حلب.. تجديد لصنّاع السابعة و سؤال عن عودة أبو شقرا جمعة واتحاد الكرة:أفكر في دخول الانتخابات.. وإلغاء شرط الشهادة خطأ جميع الشركات أكملت تجهيز مواقعها.. معرض دمشق سيكون نموذجاً وطنياً مميزاً.. وترتيبات مبهرة بحفل الافت... الرئيس الشرع يستقبل وفداً من الكونغرس الأميركي لبحث ملفات الأمن ورفع العقوبات