الثورة – لمى يوسف:
تستند علاقات المجتمع الصحيحة على دعائم رئيسة، أهمها الأمانة لتكوين مجتمع سليم متماسك يسوده النظام والتآلف ورفعة الأخلاق.. بوصف الأمانة قيمة خُلقية فهي أساس الحضارات الناجحة والمتقدمة والراقية، وإن انتشارها في المجتمع يولد الثقة والمودة والاحترام بين أفراد المجتمع الواحد وبين المجتمعات مع بعضها.
في هذه المادة الصحفية رصدنا بعض الأحداث التي تعطي صورة لمجتمع اللاذقية الحقيقي، سيدات يفتخرن بأمانة أهل هذه المحافظة من كل الأطياف والشرائح المجتمعية.
ثمن الأمانة
وقفت حائرة كمن فقد شيفرة ربطه مع هذا الكون حين انطلقت التكسي التي نزلت منها للتو وبها اللابتوب خاصتي، ذاكرة عملي الحالي، وأيامي المنصرمة، أرشيفي الذي نال من جهدي الكثير والكثير.. ضحك زميلي وقال: أتظنين انه سيعود مع صيده الثمين، هيا ادخلي إلى المبنى وانسِ.. كأنني لم اسمع ولم أستطع الرد، بقيت واقفة مع الأمل وما هي إلا دقائق معدودة حتى وقفت تكسي نزل منها السائق وهو يقول ضاحكاً، الله يسامحك عدت من مكان بعيد، عبثاً حاولت تعويض خسارته، تركني وهو يقول أنا لا آخذ ثمن أمانتي، دخلت مبنى عملي وأنا أحمل اللابتوب وأنظر إلى زميلي بفخر.. إن الأمل مازال موجوداً في وطني الحبيب.
يُعرف في علم الاجتماع الأمانة بأنها صفة حيوية لا غنى عنها، فهي ليست مجرد سلوك فردي بل هي قاعدة اجتماعية تضمن استمرارية المجتمع وتقدمه وتؤثر بشكل مباشر في بنيته وقيمته.
عزيزة النفس
تسرد البائعة في سوق الضيعة: إن عزيزة مشردة تواظب على زيارة الحديقة خاصة السوق، وعزيزة اسم على مسمى لا يمكن أن تمد يدك لها بشيء إلا ومدت يدها بشيء مقابل، وفي يوم مضى وجدت على رف المغسلة هاتفاً جوالاً قيمته الملايين، فأعطته للمشرفة على السوق، وأخبرت البائعات بذلك، حقاً شيء يثير الدهشة أن تملك مشردة كل هذه العفة والقناعة، في حين هناك من يفتح فمه ليبتلع المحيط، فالغايات النبيلة والأخلاق تكوّن مجتمعاً قوياً متماسكاً مهما تعرض الإنسان في هذا المجتمع لاضطهاد يبقى متمسكاً بما عاش عليه.
فقدان وصون
أما السيدة بديعة سراج فقصتها تشعرك كما أنك في المدينة الفاضلة وسرديتها تقول: إنها فقدت ساعتها القيمة في تكسي، حزنت كثيراً إذ إن بين الساعة وحاملها علاقة حميمة.. مر وقت طويل على الحادثة، حين استقلت تكسي لاحظت أن السائق يحدق بها، تجاهلت نظراته مرات عدة، سألها إن كانت فقدت شيئاً، فأجابت بالنفي، لكنه أعاده عليها السؤال بذكر الساعة الفاخرة خاصتها، فقالت؛ نعم فقدتها، ولكن منذ زمن طويل، فقال: هي بالحفظ والصون… سلمها الساعة، كما كانت، قصة في الحقيقة كما الأفلام.
رغم خوفها من نظراته، ورغم عدم اهتمامها بما يقوله في البداية، إلا أن احترامها لأمانته فاق التصور، فهو اعتبر الساعة وديعة مع أنه لا يعرف عن صاحبتها إلا القليل من ملامح وجهها، حافظ على تلك الملامح في ذهنه، صان الأمانة، ولم يخن ثقته بنفسه، ولم يغفل عن اتمام مروءته رغم مرور الزمن.
حسبة مالية
تسرد السيدة أم عبد الرزاق ما حصل معهم في ذات السياق قائلة: أرسلنا إلى صاحب صالة لبيع الأدوات الكهربائية والمكيفات مع عماله حسبة مالية له معنا بعد أن أتموا العمل، وكنا قد قمنا بعّد المبلغ مرتين للتأكد، وبعد نصف ساعة أتتنا مكالمة من صاحب المتجر تخبرنا أن هناك زيادة في المبلغ وأن قطعة نقدية كانت ملتصقة بأخرى طلب حضورنا لأخذها.
تضيف السيدة: الحقيقة أنني لم أسعد بعودة المال فقط بل بأن الخير مازال موجوداً في هذا الوطن الدافئ.
فالأمانة تقوم على الفطرة النقية والنفس العفيفة وغالباً يرافق من يصون الأمانة من يشبهه بنفس الصفات ويعمل مع من يتسم بذات الخصال.
قيمة اجتماعية أساسية
في حديث مع الدكتورة في علم الاجتماع إيفا خرما قالت: الأمانة في كل شيء عملية اقتصادية، اجتماعية، لا تقتصر “الأمانة” في علم الاجتماع فقط على عدم السرقة أو الحفاظ على المال، بل تشمل: الأمانة في التعاملات اليومية الصدق في البيع والشراء، الوفاء بالعهود، عدم الغش، الأمانة الوظيفية، التزام الموظف بمهامه. كما أن الأمانة الأخلاقية واجبة كقول الحقيقة، والحفاظ على الأسرار، وعدم تشويه سمعة الآخرين. أيضاً الأمانة في العلاقات الاجتماعية كالوفاء في الصداقة، والإخلاص في الزواج، التزام الوالدين تجاه الأبناء. ومن المعروف أن الأمانة المجتمعية هي الشعور بالمسؤولية تجاه الصالح العام، مثل الحفاظ على نظافة الأماكن العامة، احترام القوانين وغيرها.
وعن الأمانة من منظور علم الاجتماع أضاقت: تُعتبر الأمانة قيمة اجتماعية أساسية تساهم في: بناء الثقة بين أفراد المجتمع. وتعزيز التماسك الاجتماعي. وهي تتلاقى مع خفض نسب الجريمة والاحتيال. وزيادة الإنتاجية والمسؤولية في العمل، كما تحقيق العدالة الاجتماعية والشفافية.