الثورة – ميسون حداد:
يكتسب معرض دمشق الدولي نبضه الخاص حين تزيّن المرأة السورية بمشاركتها مسرح الحدث، فتضفي روحاً جديدة في كل ابتسامة، عمل، أو إنجاز.
فالمرأة السورية لم تكن يوماً متفرّجة على الحياة، بل صانعة لها، حاضرة في قلب كل فعل وقرار.
رصدت “الثورة” في المعرض حضوراً متنوعاً للمرأة، بين شابات يسهمن في التنظيم وأخريات يقدّمن مبادرات وأفكاراً ثقافية، فيما تعرض سيدات مشاريعهن الخاصة بوصفها حصيلة خبرة وإبداع، لتصبح مشاركتهن إضافة نوعية للمشهد العام.
شابات يثبن حضورهن
على أبواب المعرض، تقف شرطيات شابات جنباً إلى جنب مع عناصر الأمن، يلوِّن حضورهن المشهد بلمسة أنثوية رصينة، بابتسامة صافية يرحّبن بالزوار، فيحوّلن إجراءات التفتيش إلى لحظة أمان ممزوجة باللطف، وكأنهن يفتحن أبواب المعرض على عالم من الطمأنينة والثقة.
مع بداية الجولة في الأجنحة، يبرز حضور شابات في مقتبل العمر، عاملات مع عدة شركات في تسويق المنتجات، وعند سؤالهن عن تجربتهن، أكدن أن المشاركة في معرض دمشق الدولي شكلت تجربة قيمة أضافت لهن خبرات جديدة وصقلت شخصياتهن، وجعلت حضورهن يحمل طابعاً مميزاً من التواصل المباشر والمثمر مع الزوار.
وكان ملفتاً وجود شابات في شركة تبيع زيوت السيارات، يشاركن للمرة الأولى في المعرض، وصفن التجربة بالجديدة والمريحة والمحفزة، مع تسجيل مبيعات جيدة.
وأكدت جميع المشاركات أن الجناح منظم بشكل ممتاز، ولم تتعرض أي منهن لأي إزعاج أو مضايقات، كما أشدن بالتعامل المحترف من جميع الجهات العاملة في التنظيم.
بين الشغف والتحديات الاقتصادية
سماح الحموي، صاحبة مشروع خاص للحقائب النسائية، مصنوعة يدوياً من خامات متنوعة مثل اللولو والكريستال وبلاستيك الكنفا، تقوم بتزيين منتجاتها بخيوط الحرير أو المكرمية، مع إضافة لمسات مبتكرة مثل الأحرف الكريستالية.. بدأت العمل في مجال الإكسسوارات منذ أربع سنوات، بينما أطلقت مشروع الحقائب بعد عام من ذلك.
ورغم شغفها، تقول سماح إن الأعمال اليدوية تواجه صعوبة في التسويق، والإيرادات غالباً لا تكفي لتأمين المعيشة، حيث لا يُقَيَّم الوقت والجهد المبذول كما يجب.
رائدة دودكي، خريجة مدرسة الفنون ودورات معهد الرسم، بدأت رحلتها الشخصية مع دورات التنمية البشرية وتنمية مهارات الرسم.. دخلت عالم الأعمال اليدوية، ووسّعت مهاراتها لتشمل الخياطة، صناعة الأشجار بالكريستال والأبوكسي، الكروشيه، والإكسسوارات.
بدأت مشروعها الخاص منذ نحو سبع سنوات بدافع الشغف ورغبتها في تحقيق اكتفاء مالي ذاتي، وتوضح: “بدأت بأشياء صغيرة وناعمة وعرضتها في المعارض، ولاحظت إقبالاً جيداً على منتجاتي، وأطمح لتوسيع المشروع أكثر”.
وحول الإقبال على المنتجات اليدوية، أشارت دودكي إلى أن الأوضاع الاقتصادية في سوريا لا تسمح بقدرة شرائية عالية للمنتجات غير الأساسية، لذلك تخطط لتوجيه مشروعها نحو الخياطة التي توفر مردوداً أفضل.
بين التدريس والابتكار
منال حبوباتي، خريجة قسم اللغة العربية بجامعة دمشق، تجمع بين التدريس والعمل اليدوي، حيث تُدرس طلاب المرحلة الابتدائية والإعدادية في أوقات فراغها، لكن العمل اليدوي يشغل اليوم جزءاً كبيراً من وقتها.
تشارك لأول مرة في قسم الأعمال اليدوية، عبر مشروعها الخاص بالإكسسوارات المصنوعة يدوياً، والتي تعتمد على الأحجار الكريستالية والخرز وتقنيات “الرابر” لتلبية شغف المرأة بالزينة.
بدأت حبوباتي مشروعها منذ أكثر من عشر سنوات، وتعتمد في التسويق على المعارض والبازارات والطلبات الخاصة، حول دوافعها لإنشاء المشروع، تقول: “كبر أولادي وأصبح لدي وقت فراغ كبير، ومنذ طفولتي أحب الإكسسوارات، فقررت تنمية موهبتي وإنتاج شيء لي وللمجتمع، واستثمار لوقتي وطاقتي”.
فريال دردر، خريجة المعهد اليدوي قسم التربية الفنية، عملت في تعليم الرسم في مدارس دمشق وريفها لمدة 28 عاماً، وقررت بعد التقاعد المبكر تحويل شغفها إلى مشروع عملي، فأسست قبل ست سنوات مشروعها الخاص في صناعة الجزادين اليدوية والإكسسوارات، مستخدمة خيوطاً متنوعة لتناسب جميع الأذواق.
تصف تجربتها “بالفرحة” لأنها تمنحها شعوراً بالوجود وتحقيق الذات، وحول تسويق المنتجات توضح: “أحد أصعب التحديات كان معرفة أين أعرض منتجاتي وكيف أسوق لها، لكن بفضل وسائل التواصل الاجتماعي وتعاون حاضنة دمر للفنون التراثية، استطعت تحقيق انتشار وسمعة جيدة”.
وتشير دردر إلى أنّ صناعة كل قطعة يدويّة تتطلب وقتاً واهتماماً كبيرين، مشددة على شعورها بالسعادة عند إنجاز العمل.
أما عن بيع المنتجات اليدوية، فتبيّن: “البيع محدود، نتمنى أن نجد من يدعمنا للتصدير وفتح الأسواق الخارجية، لأن المنتجات اليدوية السورية مطلوبة بشكل كبير خارج البلاد”.
تجربة احترافية وتبادل ثقافي
شاركت مجموعة من الشابات السوريات بالعمل في الجناح السعودي بتقديم تعريف بالشركات المشاركة ومشاريعها وشرح التفاصيل للزوار ما أضاف خبرة في التعامل مع جميع شرائح المجتمع.
وعلى الصعيد الشخصي، قالت الشابات: إن التجربة عززت ثقتهن بأنفسهن ومهاراتهن في التعامل مع ردود الفعل المختلفة، مشيرات إلى أهمية ضبط النفس والابتسامة المستمرة في جميع المواقف.
وأكدت الشابات أن تجربة العمل مع الإخوة السعوديين كانت إيجابية بالمطلق، مثرية وإنسانية، حيث التعامل المحترم والراقي، وفرصة للتعرف على أساليب جديدة للعمل مع مؤسسات خارجية، والتعرف على منظمين محترفين يتقنون عملهم وحدودهم ويتميزون بالتدريب الجيد.
عمل صغير يُحدث أثراً كبيراً
قدمت مصممة المسار تجربة فريدة للزوار من خلال مسار تاريخي يبرز الحضارات والممالك التي مرت على سوريا منذ العصر الحجري وحتى اليوم، مع تصور مستقبلي يختصر رحلة التاريخ.
عملت مع فريق تصميم كامل، معظم أفراده من الشابات مع شاب واحد، على إعداد البوسترات وتنسيق المسار، بالإضافة إلى مرافقة الزوار وشرح محتوى البوسترات لكل محطة، مؤكدة أن أكبر التحديات كانت تنظيم الوقت وتحديد كل خطوة لضمان تجربة متكاملة للزوار.
وأضافت: “هذه التجربة أضافت لي الكثير، إذ لاحظت كيف يمكن لعمل صغير أن يترك أثراً كبيراً. دهشت عندما رأيت الزوار يقفون عند كل محطة ويشرحون لأولادهم تاريخ سوريا، شعرت حينها أنني قدمت شيئاً يفيد الناس ويزيد من معرفتهم”.
وعن تقييم تجربتها على الصعيد الشخصي، قالت: “شعرت بالفخر مع الفريق بالإنجاز الذي حققناه، وتركنا أثراً جميلاً لدى جمهور واسع”.