الثورة – ميسون حداد:
لا يزال جرح اغتصاب النساء في منطقتنا مفتوحاً، ينزف مع كل قصة جديدة كمأساة “روان”، الفتاة العشرينية التي افترستها وحوش بشرية على طريق سلحب.
تفتح هذه الحوادث، ملفاً مؤلماً عن التداعيات النفسية والاجتماعية العميقة لهذه الجرائم التي تتجاوز ظلالها الثقيلة الضحية وعائلتها إلى المجتمع بأكمله.
الانتهاك يتجاوز الجسد
لا يقتصر الاغتصاب على الانتهاك الجسدي بل هو انتهاك نفسي واجتماعي وأخلاقي تتعرض له الفتاة مع أسرتها وبيئتها المحيطة، كما أوضحت الدكتورة النفسية رشا شعبان في حديثها لصحيفة الثورة، مضيفة: “الاغتصاب يجعل الضحية أمام حالة من العجز وفقدان الأمان والثقة بكل من حولها، ويثير شعوراً عميقاً بالاشمئزاز والقرف تجاه الجنس الآخر، حتى تجاه أقرب الأشخاص إليها”.
وغالباً ما ترافق الضحية مشاعر “لوم الذات” رغم إدراكها أنها ليست مذنبة، وأن ما حدث لم يكن بإرادتها، ويزداد هذا الشعور في المجتمعات الريفية المنغلقة، التي قد تعتبر الأنثى عامل تهديد أخلاقي وقيمي، خاصة في أوقات الحروب والكوارث، وتوضح شعبان: “النساء غالباً ما يُستخدمن في أوقات الفوضى والحروب والكوارث بوصفهن عامل ضغط على الجماعات، كونهن الحلقة الأضعف والأكثر حساسية”.
ضرورة ملحة
توضح د. شعبان أن الضحايا غالباً ما يعانين من صدمة نفسية شديدة، تتجلى في الذهول، الانعزال، والشعور بالدونية وفقدان السيطرة على الانفعالات وتبيّن، “تفقد الفتاة السيطرة على جسدها الذي تم انتهاكه، وقد يصل الأمر إلى رفضه وكرهه، فيما يشبه الانفصال النفسي عن الذات نتيجة الألم والخذلان”.
وللتخفيف من هذه التداعيات، شددت على أهمية الدعم النفسي والاجتماعي، من خلال جلسات حوار ومناقشات توفّر شعوراً بالأمان وتعيد للفتاة الثقة في جسدها وطبيعتها، كما يجب أن يوفّر محيطها الاجتماعي جواً من المحبة والاحتواء، والمساعدة على إعادة دمجها اجتماعياً بشكل تدريجي وصحي.
أما العائلة، فهي شريك أساسي في عملية التعافي، تضيف شعبان: “على الأسرة ألا تلوم الفتاة أو تشعرها بالعار والذنب، بل تتحاور معها إيجابياً وبكل حب، مؤكدة لها الحق والعدالة في مثل هذه الحالات”.
مواجهة الخوف
إن حرمان الفتيات من العمل أو المشاركة الاقتصادية، خوفاً من التعرض للانتهاك هو استسلام لما يريده المعتدي، وهنا تحذر د. شعبان، من أن بقاء الفتاة في البيت وعدم المشاركة هو ما يريده المعتدي، فالهدف من هذه الجرائم هو التخويف والمنع، وإذا استسلم المجتمع لذلك، يكون قد حقق للمعتدي غايته.
وتشير إلى أن حادثة “روان” يجب أن تكون منعطفاً إيجابياً لتشديد القوانين وتحديثها لحماية النساء، وعدم السكوت عن الجرائم بدعوى الفضائح أو العار.
وتؤكد على أن الإبلاغ عن الانتهاك فور وقوعه يساهم في شفاء الحالة النفسية للفتاة تدريجياً، ويحول من دون تحول الجرائم إلى ظاهرة متكررة، مؤكدة وجوب نشر الوعي في المجتمع، وتوفير الاحتضان للمرأة، وعدم لومها أو جلدها اجتماعياً وأخلاقياً، بل محاسبة الجاني ونبذه اجتماعياً لضمان حماية الضحايا”.