الثورة – جهاد اصطيف:
تشهد المنظومة الصحية في مدينة حلب خطوات متسارعة للارتقاء بخدماتها الطبية، ولاسيما في التخصصات الحساسة التي تمس حياة شريحة واسعة من المرضى بشكل يومي، وفي هذا الإطار، سجل مستشفى الكلية الجراحي بحلب إنجازاً مهماً، تمثل في إدخال 32 جهاز غسيل كلية جديد إلى الخدمة، ما رفع عدد الأجهزة العاملة إلى 52 جهازاً، وأحدث نقلة نوعية انعكست مباشرة على المرضى من حيث جودة الخدمة وسرعة الاستجابة وانخفاض ساعات الانتظار.
انطلاقة جديدة
قبل وصول هذه الأجهزة الحديثة، كان قسم غسيل الكلية في المستشفى يعتمد على أجهزة قديمة، مضى عليها سنوات طويلة من الخدمة، تعرضت خلالها إلى أعطال متكررة، جعلت من عملية الغسيل مرهقة للمرضى والكادر على حد سواء، وكانت الطاقة الاستيعابية محدودة، وكان المريض غالباً ينتظر لساعات طويلة، وأحياناً حتى ساعات متأخرة من الليل، كي يحين دوره، فضلاً عن أن فعالية الأجهزة لم تكن بالمستوى المطلوب.
يصف المرضى تلك المرحلة بأنها كانت “سنوات صعبة”، إذ لم يكن بالإمكان الاستفادة الكاملة من جلسات الغسيل، الأمر الذي انعكس على حالتهم الجسدية والنفسية، وجعلهم في قلق دائم من توقف أي جهاز فجأة أو تعطله خلال الجلسة.
اليوم، وبعد إدخال 32 جهازاً جديداً، تغيرت الصورة كلياً، وفي إطار ذلك تؤكد رئيس قسم غسيل الكلية في المستشفى نورا محمود أن لدى القسم الآن 52 جهازاً عاملاً، وهذا التطور رفع القدرة على استقبال نحو 450 مريضاً أسبوعياً، بواقع جلستين إلى ثلاث جلسات لكل مريض، حسب حالته الصحية.
وأشارت إلى أنه يتم يومياً تنفيذ نحو 150 جلسة غسيل، ليصل العدد شهرياً إلى نحو 3500 جلسة، وهذا رقم كبير مقارنة بالقدرات السابقة.
وتضيف: الأجهزة الجديدة ليست مجرد زيادة عددية، بل هي نقلة نوعية من حيث الكفاءة والتقنية، فهي أكثر أماناً ودقة، وتمنح نتائج أفضل بكثير في تنقية الدم، لقد تخلصنا من مشكلة الانتظار الطويل، وأصبحنا قادرين على إنهاء جميع الجلسات في حدود الساعة الحادية عشرة ليلاً، بعدما كنا نضطر سابقاً للعمل على مدار 24 ساعة.
أثر إنساني واجتماعي
المرضى لمسوا الفارق بشكل مباشر، المريض محمد ديب الهزاع، الذي يجلس إلى جوار أحد الأجهزة الجديدة، وصف التجربة بقوله: في الماضي كنا ننتظر ساعات طويلة، وكثيراً ما كنا نغادر منهكين من دون أن نشعر بفائدة حقيقية من الجلسة، أما اليوم فالوضع مختلف تماماً، الأجهزة فعالة والجلسة مريحة، والأهم أن وقت الانتظار أصبح قصيراً جداً، نشعر براحة جسدية ومعنوية كبيرة.
من جانبها، روت إحدى المريضات الشابات، التي تخضع لغسيل الكلى منذ عام 2019، معاناتها في السنوات السابقة: كنت أغسل ثلاث مرات في الأسبوع، ومع ذلك لم أشعر بتحسن كافٍ بسبب ضعف الأجهزة، كنا نضطر أحياناً للبقاء حتى منتصف الليل بانتظار دورنا، وكان الإرهاق يقتل معنوياتنا، الآن اختلف الوضع كلياً، والأجهزة الجديدة منحتنا أملاً كبيراً، وكل ما نتمناه أن يستمر الاهتمام بنا على هذا النحو.
النقلة النوعية التي حدثت في المستشفى، لا تنعكس على الجانب الطبي فقط، بل تحمل بعداً إنسانياً واجتماعياً كبيراً، فالمرضى الذين كانوا يعيشون في حالة من الإحباط والإرهاق الدائم باتوا اليوم أكثر تفاؤلاً وراحة، وأسرهم كذلك يشعرون بالاطمئنان لأن أحباءهم يتلقون الرعاية على نحو أفضل، فالمرضى الذين يتلقون العلاج بانتظام يحتاجون إلى جو من الاستقرار النفسي، وهو ما تحقق جزئياً بعد دخول الأجهزة الجديدة، حيث لم تعد الجلسات مرهقة أو عقيمة، بل أصبحت أكثر فعالية وذات نتائج ملموسة.
يمثل إدخال 32 جهاز غسيل كلية جديداً إلى مشفى الكلية الجراحي بحلب خطوة مهمة على طريق تطوير الخدمات الصحية في المدينة، لكنه أيضاً بداية لمسار أطول، يتطلب استمرار الدعم والاهتمام، سواء من وزارة الصحة أو من الشركاء المحليين والدوليين.
لقد أثبت هذا الإنجاز أن الاستثمار في البنية التحتية الطبية ينعكس فوراً على حياة الناس، وأن تحسين الخدمة لا يحتاج دائماً إلى معجزات، بل إلى إرادة حقيقية في توفير ما يحتاجه المريض من أدوات ورعاية.
بين شهادات المرضى، ورؤية الأطباء، وإدارة المستشفى، يتضح أن هذه النقلة النوعية، ليست مجرد خبر عابر، بل قصة نجاح تستحق أن تروى، وأن تبنى عليها خطوات أخرى في سبيل صحة أفضل لمجتمع أنهكته التحديات.
