حرائق سوريا.. جبهات مفتوحة واختبار للإمكانيات

الثورة – تحقيق هبه علي:

الجبال الساحلية السورية التي كانت تتوشح يوماً ما الثوب الأخضر، شهدت خلال الفترة القريبة الماضية حرائق ضخمة التهمت الأخضر واليابس، تاركة وراءها رماداً وأسئلةً لا تنتهي.

رجال الإطفاء، أبطال مجهولون، يواجهون هذه الكوارث بمعدات متواضعة وطرقات وعرة، محاولين إنقاذ ما تبقى من إرث طبيعي ثمين. في هذا التحقيق الصحفي نعرض قصة كفاحهم ضد النيران، ونوثّق التحديات التي واجهتهم في معركة تبدو غير متكافئة.

النار على جبهات متعددة

منوح علي، أحد رجال الإطفاء، يوضّح كيف انتقلت فرق الإطفاء مباشرة من حريق في منطقة “أبو قبيس” إلى حريق آخر اندلع عند مقامات بني هاشم في جبل رأس الشعرة في سهل الغاب فوق قرية عناب مباشرة.. كانت النيران قد اشتعلت أيضاً في بلدة فقرو الواقعة بين أبي قبيس والمقامات، مما خلق “جبهات متعددة” استنزفت قدرات فرق الإطفاء المحدودة أصلاً.

وتابع حديثة لصحيفة الثورة: واجهنا “صعوبات جمة” بسبب التضاريس الوعرة والبنية التحتية غير المخدّمة، حيث الطرق الضيقة التي تعرقل حركة آليات الإطفاء، أضف إلى ذلك الرياح السريعة التي ساعدت على انتشار النيران بسرعة هائلة، مما جعل عملية الإخماد “أكثر تعقيداً” واستحالة، فلم تتمكن الفرق من الوصول إلى حريق المقامات بسبب الجروف الصخرية العالية والخطرة، ما أدى إلى انتشار النيران ووصولها إلى منازل الأهالي في قرية عناب، لتبدأ بعدها عمليات الإخلاء.

إمكانيات محدودة

يقول مدير مركز إطفاء شطحة، عاطف إبراهيم: عدد الكوادر غير كافٍ، فنحن نتحدث عن حرائق استمرت أكثر من عشرة أيام، فهم بحاجة للراحة والعمل المتناوب.

ويضيف: في مركز إطفاء شطحة، كان هناك 38 شخصاً لم يبق منهم سوى 10 فقط، هم الموظفون الدائمون، أما العمال الموسميون المعينون في موسم الحرائق، فلم يكن لدينا سوى 20 شخصاً فقط.

وتابع إبراهيم، متحدثاً عن التحديات التي واجهتهم، ومنها: فصل عدد من الموظفين المعينين وفق مسابقة المسرحين في بداية العام، رغم كفاءتهم العالية وتضحياتهم، منهم: جوهر صقر سلوم، وعلي صبيح، اللذين لم يتوانيا عن الالتحاق بصفوف فرق الإطفاء عند استدعائهما، ومن دون أجر.

لافتاً إلى أن هؤلاء الخبراء يجب إعادتهم لدورهم الحيوي في مكافحة الحرائق، خاصة أن تعيين حديثي العهد يحتاج إلى تدريب وتأهيل، فالتعامل مع النار والدخان يحتاج إلى خبرة كبيرة “ليست بالهينة”.

وفي السياق نفسه أكد إبراهيم أنه من المشكلات التي تعاني منها فرق الإطفاء الطرقات غير المخدمة، حيث تتعثر حركة الآليات الثقيلة في الطرق الضيقة، مما يعرض حياة الآخرين للخطر ويسبب تأخيراً في الوصول إلى موقع الحريق، بالإضافة إلى ذلك، فإن قلة الوعي المجتمعي تجعل بعض الأهالي يتجمهرون ويعرقلون عمل الفرق، بدلاً من إفساح المجال لهم، ففي إحدى الحوادث ومع انتشار النيران، هجم الأهالي على سيارة الإطفاء وكل منهم يريد توجيههم إلى موقع مختلف، مما عرقل عملهم في تحديد النقاط الخطرة ذات الأولوية.

جوهر حسن، وهو أحد العاملين سابقاً في مركز إطفاء شطحة، والذي شارك في عمليات إخماد الحرائق الأخيرة، تحدث لنا عن التقنيات المستخدمة في مواجهة الحرائق، مثل رش الماء على الإطفائيات والفرق عند الدخان الكثيف لتزويدهم بالأكسجين، كما أنهم يأخذون المناطق المنخفضة في مواجهة الحرائق، وأحياناً يتعاملون مع النار بوضعية المنبطح أو الجاثي، لأن الدخان يرتفع والأماكن المنخفضة يكون فيها أكسجين أكثر.. وفي بعض الأحيان، يصلون إلى مرحلة لا يعرفون فيها الاتجاهات بسبب نقص الأوكسجين.

التشجير بأنواع مناسبة

الدكتور المهندس “ف. المحمود” تحدث عن خسائر بيئية واقتصادية فادحة في المناطق الحراجية في سوريا، وخاصة الجبال الساحلية التي تشهد تكراراً متزايداً لحرائق الغابات، وحريق عناب كان أكبر من حريق اللاذقية، إذ احترق الجبل من شماله إلى جنوبه (سلسلة الجبال الغربية)، وأصبح الغطاء النباتي صفراً، مما يستدعي إعادة تشجير عاجلة.

ويضيف د. المحمود: “في كل عام نخسر آلاف الهكتارات من الأراضي والبساتين الزراعية والأنظمة البيئية عالية الأهمية”، مشدداً على أنه من الضروري إعادة تشجير المناطق المحترقة، ولكن بعد دراسة واقعية تنظم الطرقات وتختار أصناف الأشجار المناسبة، مثل: السماق، والأرز، والصنوبر، والإجاص، والتفاح، وغيرها من الأشجار المثمرة التي تتحمل الظروف الصعوبة، فالمنطقة ذات معدل هطول مطري عالٍ شتاءً، ومن الممكن إنشاء خزانات تجميعية في الوديان لاستغلال المياه في موسم الحرائق.

وأكد أنه لا بد من خطة لإدارة حرائق الغابات، التي تعتبر وسيلة للتطبيق العملي الميداني للسياسة الوطنية لحرائق الحراج وبرامجها التفصيلية، ويجب أن تكون هذه الخطة خطوة أولى استراتيجية للتخفيف من المشكلات الناتجة عن النهج التقليدي في التعامل مع الحرائق، وإعطاء الأولوية لحماية المجتمعات المحلية والترميم الفعلي للنظم البيئية الحراجية المعرضة للحريق.

من التوصيات المهمة التي طرحها المحمود: دعم سبل معيشة المجتمعات المجاورة للغابات، وتنفيذ برامج توعية لتحسين العلاقة بين السكان والغابة وتعزيز الشعور بالملكية، كما يجب تعزيز دور السكان المحليين في حماية الغابات، وتفعيل أبناء القرى المحيطة للاستفادة من معارفهم المحلية في الوظائف الحراجية.

تحسين البنية التحتية

وعن البنية التحتية شدد الدكتور المحمود، على وجوب تطوير البنية التحتية للطرقات لتسهيل حركة آليات الإطفاء، وتوفير خزانات مياه استراتيجية في مناطق متفرقة لتقليل وقت الذهاب والعودة لتزويد المياه، كما يجب توفير معدات إطفاء متطورة وتدريب الكوادر بشكل دوري على أحدث تقنيات مكافحة الحرائق.

وأكد أن التحديات التي تفرضها حرائق الغابات في سوريا تتطلب “إعادة بناء شاملة لمنهجيات إدارتها”، تتجاوز الحلول التقنية نحو استراتيجية تشاركية مستدامة تشمل الوقاية، الاستعداد، الترميم، والتحقيق، ويجب أيضاً أن يكون الهدف الأساسي” جعل حرائق الحراج الخطرة حوادث استثنائية”، واعتبار الإدارة البيئية للغطاء النباتي الحساس للحريق القاعدة العامة.

وختم بالقول: فقط من خلال عمل جماعي متكامل يمكن ضمان بقاء الغابات السورية كمورد طبيعي واقتصادي وبيئي للأجيال القادمة.

آخر الأخبار
"قدرات".. هل يعيد الأمل لذوي الإعاقة وضحايا الحرب؟ الانفتاح على العالم يُشجع المستثمرين على البدء بمشاريع تنموية في سوريا زيارة الرئيس الشرع لأميركا .. علامة فارقة في مسار انفتاح سوريا لقاءات الشرع فتحت مسارات جديدة للتواصل مع مؤسسات دولية سلاحٌ خفيّ يهدد السوريين.. ومعطياتٌ تكشف تصاعده بلدة التح تبدأ عامها الدراسي بثلاث مدارس متهالكة ونقص حاد في التجهيزات السوق السوداء تحكم المشهد.. والمصارف مجرد مخازن أموال لبنان والعراق يوجهان من منبر الأمم المتحدة رسالة انفتاح إلى سوريا رئيس لجنة التحقيق الدولية بشأن سوريا: إسرائيل انتهكت سيادة سوريا وهناك مسار جديد للعدالة الرئيس الشرع في معهد الشرق الأوسط: سوريا تعود إلى المجتمع الدولي قراءة في تصريحات الشرع في معهد الشرق الأوسط.. تقديم سوريا كلاعب دولي المفرقعات في شوارع حلب.. أصوات تعيد للأذهان ما ترفضه الذاكرة حرائق سوريا.. جبهات مفتوحة واختبار للإمكانيات عجلة ألعاب أهلي حلب تسير بخطا واثقة ومدروسة البلوز والليفر لثمن نهائي كأس الرابطة خسارة ثانية قاسية لسلتنا الناشئة آسيوياً من شوارع التاريخ إلى آفاق السلام.. ماراثون دمشق (2025) رسالة وطن الدراجات تستعد للبطولة العربية  مكافأة ثمينة للاعبي كايرات إذا نجحوا في إسقاط الريال عطلة وطنية ببوتسوانا بعد الفوز بذهبية