الثورة – همسة زغيب:
يغزل الفرح على أطراف الأسواق الدمشقية بخيوط من سكر، حين يمدّ زياد الصالح يده إلى آلته القديمة، ويبدأ بنسج الغزلة البيضاء كما لو كان ينسج ذاكرة، هو لا يبيع حلوى فحسب، بل يوزّع لحظات من الطفولة، ويُعيد تشكيل الحنين في شكل سحابة من سكر ناعم.

منذ أكثر من ثلاثة عقود، يعمل في مهنته بإخلاص، محافظاً على طقس شعبي لا يزال يُبهج الكبار قبل الصغار، حتى بات يُعرف بين الناس بسيّد الغزلة البيضاء.
ويروي الصالح حكاية الغزلة لصحيفة الثورة، بابتسامة لا تفارقه: “الغزلة ليست سكراً فقط، وإنما هي فرح، فأنا لا أشتغلها إلا بيدي، وبنفس طويل، لأن كل خيط ينبغي أن يخرج ناعماً كالشعرة”.
يبدأ يومه منذ الصباح الباكر، يُحضّر آلته، ويختبر درجة الحرارة، ثم يبدأ بالغزل كما لو كان يُمارس طقساً روحانياً، وعلى الرغم من دخول الآلات الحديثة إلى السوق، إلا أنه يُصرّ على استخدام طريقته التقليدية، مؤمناً أن “الروح” لا تُصنع بالآلة وحدها.
يُبيّن أسرار الصناعة، ويُؤكّد أنها تعتمد على نقاء المكونات، شارحاً خطواتها وهو يغزلها قائلاً: “أستخدم سكراً أبيض ناعماً من النوع الممتاز، وأضيف إليه نقطة ماء فقط، من دون أي إضافات صناعية، والسرّ الحقيقي هو في حرارة الآلة وسرعة الدوران، فإن كانت الحرارة زائدة يحترق السكر، وإن كانت قليلة، لا يغزل”.
ويُؤكّد أن جودة السكر ونظافة الآلة هما أساس النجاح، مشيراً إلى أنه يُنظّف آلته يومياً، ويُراقب حركة الدوران بعينه المجربة، لا بأجهزة إلكترونية، ويُضيف: “لا أستخدم الألوان، إذ أعتمد الغزلة البيضاء الأصلية، التي يحبها الناس لأنها نقية، وتذكرهم بأيام زمان”.
ويُشير زياد الصالح إلى أن الطلب يزداد في مواسم المدارس والاحتفالات، إذ يُصبح الغزل الأبيض رمزاً للفرح الشعبي.
وختم حديثه قائلاً: “الغزلة لا تُشّبِع الجوع، لكنها تُشبع الحنين، وفي زمن تتسارع فيه الحياة، أؤمن أن الفرح الحقيقي يُصنع باليد وليس وبزر الآلة”.
يحافظ غزل البنات على طقس شعبي لا يذوب، يرتبط في ذاكرة الدمشقيين بالمهرجانات والأعياد، وباليد الصغيرة التي تُمسك العصا وكأنها تُمسك الغيمة.
