الثورة – عبد الحميد غانم:
أعلنت المملكة العربية السعودية ودولة قطر عن توقيع اتفاق جديد بقيمة 89 مليون دولار لدعم رواتب العاملين في القطاع العام السوري لمدة ثلاثة أشهر، في مؤشر واضح على تعزيز الشراكة الاقتصادية العربية مع سوريا في مرحلة ما بعد الحرب.
ضمن هذا السياق، أكد الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور علي محمود محمد أن هذا الدعم السعودي القطري يُجسد خطوة استراتيجية ورمزية في إعادة دمج الاقتصاد السوري في محيطه الإقليمي وتعزيز عملية الإعمار والنهوض الاقتصادي.
وقال د. محمد في تصريح لـ”الثورة”: تشكل هذه المبادرات ورسائل الثقة الاقتصادية خارطة طريق نحو مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً لسوريا والمنطقة ككل، في ظل تعاون عربي متزايد وشراكات تنموية متقدمة تعزز من تطلعات التعافي الشامل والاستدامة، ويأتي هذا الدعم في سياق جهود عربية متصاعدة لإسناد عملية التعافي الاقتصادي المستدام في سوريا.
وأكد الخبير الاقتصادي أن الدعم المالي المشترك يهدف إلى تغطية رواتب العاملين في قطاعات الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية، بالإضافة إلى المتقاعدين المدنيين، وكذلك تعزيز الشمول المالي وتسريع التنمية الاقتصادية المستدامة.
تحسين المعيشة
وأشار د. محمد إلى أن هذا الدعم يساعد على استقرار المواطنين السوريين بتحسين مستوى معيشتهم ومما يكسب مبادرة الدعم بعداً استراتيجياً ومصداقية عالية هو سياق التعاون العربي مع دمشق، مؤكداً أن هذا الاتفاق يأتي استكمالاً للمبادرات التي بدأتها السعودية في أيلول / سبتمبر 2025 بمنح سوريا 1.65 مليون برميل من النفط الخام عبر الصندوق السعودي للتنمية.
كما شهد آب/ أغسطس توقيع ست مذكرات تفاهم بين شركات سعودية ووزارة الطاقة السورية، شملت اتفاقية شركة “أكوا باور” لتطوير مشاريع للطاقة الشمسية والرياح ذات قدرة إنتاجية كبيرة، مما يؤكد انفتاح الاقتصاد العربي على السوق السورية وفرصة لإقامة مشاريع تنموية ضخمة.
ورأى الخبير محمد أن المنحة القطرية التي مثلت أول ضخ مالي خارجي مباشر يذهب إلى سوريا بعد سنوات من الحرب والعقوبات شكلت انعكاساً لمرونة الموقف الأمريكي تجاه العقوبات المفروضة على سوريا، إذ جاءت المنحة بموافقة أميركية مسبقة.
وبين د. محمد أن الاتفاقية المذكورة تمثل مساهمة مباشرة في تنشيط الدورة الاقتصادية المحلية عبر زيادة الرواتب ورفع القدرة الشرائية للعاملين في القطاع العام، مؤكداً أنها حافز لدعم محاولة تخفيض نسبة الفقر التي تعاني منها نحو 90 بالمئة من السكان، ما يؤثر إيجاباً على استقرار المجتمع.
تحديات اقتصادية
على الرغم من التفاؤل الذي صاحب الإعلان عن المنحة، إلا أن هناك تحديات جوهرية تواجه تحقيق أثرها المستدام، إذ يلقي الدكتور محمد الضوء على تحديات مهمة منها، قلة الاحتياطات من العملة الأجنبية في المصرف المركزي السوري، وعجز في سعر صرف الليرة السورية واعتماد الفترة الزمنية المحدودة للمنحة، التي تستمر لثلاثة أشهر مع احتمال تمديد عام، مما يحتم البحث عن مصادر تمويل مستدامة والحاجة إلى تحقيق استقرار في كتلة الرواتب تتناسب مع الزيادات المتكررة المعلنة من الحكومة السورية.
ولفت د. محمد إلى أن الاتفاقية السعودي القطري تمثل بصمة أمل للشعب السوري والاقتصاد السوري المنهك، إذ أنها لا تعني مجرد تحسين مؤقت للقوة الشرائية للموظفين، بل هي إشارة سياسية قوية على بدء انفراج دولي قد يمهد الطريق لتعافي البلاد، والنجاح في إدارة هذه المنحة بشفافية، وتحويلها إلى حافز للإصلاح الهيكلي، وبداية حقيقية لمرحلة جديدة من الاستقرار والانتعاش الاقتصادي.